كرة القدم والفلسفة

يُقدم جان فيليب توسان، الروائي والمصور وصانع الأفلام الحائز على جوائز عدة، كتابه هذا بملاحظة ساخرة ومتشائمة في نفس الوقت، مشيرًا إلى أنه لن يعجب أحدًا؛ لا المثقفين الذين لا يُبالون بكرة القدم، ولا عشاق اللعبة الذين سيجدون الكتاب ثقافيًا للغاية وبعيدًا عن الرياضة. يناقش الكاتب البلجيكي علاقته بالرياضة، مع صياغة النص بشكل فضفاض حول بطولات كأس العالم القليلة الماضية. ابتداءً من عام 1998، وهو عام لا يُنسى لجميع الناطقين بالفرنسية، يمزج توسان بين تجاربه في البطولات وذكريات أيام الشباب، حيث ينظر إلى الوراء في المباريات التي أقيمت في الأراضي البلجيكية. ثم نتقدم مع تركيز توسان بشدة على حدث 2002 في اليابان وكوريا، وبدرجة أقل على النسخة الألمانية لعام 2006 (وبالكاد يذكر كأس العالم في جنوب أفريقيا 2010)، وينتهي بتجربة شخصية فريدة من نوعها مع نهائي 2014 في البرازيل.

كتاب “كرة القدم” عبارة عن عمل قصير في 88 صفحة. بالتأكيد ليس كتابًا قد يستغرق منك أسبوعًا لإنهائه (ربما ساعتان في يوم عطلة بطيء؟). عبارة عن سلسلة من المقالات المتقطعة، أشهرها: “اكتئاب زيدان”، التي ظهرت بشكل منفصل كعمل صغير للغاية عام 2006.

يتبع ’توسان نهجًا شخصيًا إلى حد ما، وبينما يوجد بعض الوصف لما يحدث على أرض الملعب، فإن كرة القدم الفعلية في معظمها ضمنية. لو أنه كان يكتب عن كرة القدم ولا شيء آخر، لكانت كرة القدم أقل إثارة للاهتمام. لكن أشياء أخرى كثيرة تشغل فكر توسان هنا: كيف أن العالم الظاهراتي غالبًا ما يكون أقل جاذبية من العالم المستحضر في خيالنا؛ كيف تعمل الكآبة على زيادة وإضعاف إدراكنا للأشياء في ذات الوقت؛ كيف يمكن لمقاربة الخبرة بطريقة طفولية وساذجة عن عمد أن تساعد في صرف خوفنا من الموت؛ كيف يهرب الماضي منا على الرغم من بذلنا قصارى جهدنا لاستعادته. يعترف توسان: “أتظاهر بالكتابة عن كرة القدم، لكنني أكتب حقًا، كما هو الحال دائمًا، عن مرور الوقت”. ويجادل بأنه خلال اللعبة، يظل المستقبل “مفتوحًا بشكل جوهري” حتى اللحظة الأخيرة، ودرجة الاستيعاب التي يتطلبها هذا “تبقينا على مسافة متطرفة من الموت”، والتي بدورها تنتج “نوعًا من الرفاهية الميتافيزيقية”.

وربما هذه هي الطريقة لقراءة “كرة القدم”؛ تجاهل ثيمة كرة القدم والتركيز على الكتاب كعمل فلسفي، حتى لو كان ذلك محبطًا بعض الشيء لأولئك الذين يريدون القراءة عن الجانب الرياضي.

هذا لا يعني أن كرة القدم غائبة عن هذا الكتاب؛ على العكس من ذلك، فهي في كل مكان. لكنها تثير اهتمام توسان أساسًا من خلال الطرق التي تعمل بها على تحفيزه. قد تبدو فكرة نرجسية بشكل مذهل، لكن من المفيد أن نعلم أن توسان بنى مهنة أدبية مميزة للغاية حول تمثيل الموضوع النرجسي. بالمعنى الحقيقي، إنها علامته التجارية.

مع أخذ هذا الاعتبار في الاعتبار، قد يكون كتاب “كرة القدم” في الواقع واحد من نصوصه الأقل تحرّكًا حول الأنا لأنه منفتح بشكل واضح على العالم وليس حصريًا على وعي إنساني ذاتي. يصل هذا العالم إلى ذروة وضوحه كل أربع سنوات من خلال كأس العالم لكرة القدم. لمدة شهر أو ما يقرب من ذلك، يتمتع المرء بحرية الانغماس في الشوفينية دون المخاطرة بالتصرف بطريقة قومية متطرفة. يمكن للمرء أن يعيش في عالم خارج الزمان، ويمضي وقته حتى لا يشعر بعبء مرور الوقت. يمكن للمرء أن يشارك، فعليًا وحقيقيًا، في ديناميكية التعبير التي تشغل انتباه جزء كبير من الكوكب، بطريقة أو بأخرى. يحدث كل هذا يحدث في نوع من التوقف الوجودي، وهي حالة يجدها جان فيليب توسان منعشة بالفعل.

---

تقييمنا: ننصح به إن كنت تحب الخلطة العجيبة والنادرة لكرة القدم والفلسفة

الكتاب في هذه المراجعة: Football, by Jean-Philippe Toussaint