التصنيفات
Non-fiction فن

هل نقاطع الفنانين إذا كانوا وحوشًا؟

فنان عبقري ولكن مغتصب، هل نلغي أعماله؟

“كل شخص على قيد الحياة، إما أُلغي أو على وشك الإلغاء”، تكتب ديدرير فيما تحاول أن تجد طريقة للتوفيق بين الفن العظيم، وزلات وآثام الأشخاص الذين يصنعونه. ماذا يجب أن نفعل بالفن الجميل الذي صنعه أناس فظيعون؟ ما مدى سوء تصرف الفنان المقبول قبل أن يتم إلغاؤه؟ هل يجب إلغاء أي فنان على الإطلاق؟ هل هناك طريقة مناسبة لموازنة إعجابنا بالعمل مع كرهنا لأفعالهم؟

تناقش ’كلير ديدرير هذه الأسئلة في كتابها “الوحوش: معضلة معجب” الموسع عن مقال نشرته في Paris Review عام 2017 تحت عنوان: “ماذا نفعل بفن الرجال المتوحشين؟”. حيث تتصارع مع كيفية التفاوض بين قيمها الأخلاقية، وما تسميه “حب الفن”. في حين ركزت المقالة على أي مدى يمكن أن تقدم التضحيات على مذبح الأخلاق الجنسية المعاصرة، يناقش الكتاب ثقافة الإلغاء من منظور أخلاقي أشمل.

تفكر ’ديدير في أفضل طريقة للتعامل مع أعمال “عباقرة” أمثال بابلو بيكاسو أو إرنست همنغواي، الفنانون الذين تظهر سيرهم الذاتية الكثير من الأنماط الذكورية السامة، البعيدة عن الصورة المثالية التقية التي قد نرسمها حول فنان. كما تأخذ في الاعتبار مشاهير معاصرين أقل شهرة مثل بيل كوسبي، وكذلك فنانين مثل ريتشارد فاغنر وإزرا باوند الذين لم تكن آثامهم جنسية، بل معاداة السامية الشديدة.

قد تبدو كل هذه الأمثلة بعيدة عن عالمنا العربي، ولكن الكتاب عن الفكرة وليس عن الأشخاص. وهكذا إذا أخذنا في الاعتبار النقاشات التي دارت حول قضية سعد المجرد بين مطالبات النسوية العربية بمقاطعة المغني لأنه مغتصب، وحتى مقاطعة إليسا التي غنت معه أثناء محاكمته، وبين دعوات معجبيه لفصل الفن عن الأشخاص، نجد أن هذا الكتاب في قلب هذه النقاشات.

تركز أصعب أمثلة ’ديدرير على اثنين من المخرجين: رومان بولانسكي وودي آلين. وقد كافح العديد من المهتمين بالفن مع الطريقة المثلى للتعامل مع بولانسكي قبل وقت طويل من حركة #MeToo. قام بولانسكي بتخدير واغتصاب فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا في لوس أنجلوس عام 1977، وفي اتفاقية المحاكمة أقر بأنه مذنب بالاتصال الجنسي غير القانوني مع قاصر قبل مغادرة البلاد لتجنب العواقب. أما وودي آلين فقد مارس العلاقة مع ابنة شريكته، ثم تزوجها في النهاية. تزعج هذه القصة ديدير بشكل خاص لأنها كانت طفلة مقربة جدًا من عشيق والدتها، وهي علاقة لا تزال تعتز بها. إن احتمال استغلال رابطة مماثلة وإضفاء الطابع الجنسي عليها يشعرها بالقرف. شعرت ’ديدرير أن مجرد فكرة العلاقة بين آلين وابنته بالتبني، عدا عن قضايا التحرش التي لم تثبت، قد “شوه العلاقة الدقيقة” في حياتها الخاصة. تعترف بأن اشمئزازها ليس “منطقيًا”، لكنها الأمر أثر بها رغم ذلك، وتغيرت الطريقة التي تشاهد بها أفلام آلين.

تنجح ’ديدرير في عدم حرف الكتاب عن فكرته، والإيحاء بأن كل الوحوش هم ذكور، عبر تخصيص فصولاً عن الفنانات السيئات (بشكل أساسي ، أولئك الذين تخلوا عن أطفالهم). مع ذلك، من حين لآخر، يعطي الكتاب إحساسًا كما لو أنه بدأ بتعميم النماذج، وهو ما يحدث عادة عندما يركز الكاتب على موضوع معين، فصير يرى كل شيء بعدسته. لا شك أن الفنانين من الأمهات غالبًا ما يشعرن بالذنب بسبب قضاء بعض الوقت بعيدًا عن أطفالهن للعمل؛ لقد نشرن الكثير من المقالات الشخصية التي تتحدث عن ذلك. لكن من الذي جادل بأنه لا ينبغي لنا قراءة دوريس ليسينج لأنها تركت اثنين من أطفالها في جنوب إفريقيا عندما انتقلت إلى إنجلترا للكتابة؟ أو أنه يجب شطب سيلفيا بلاث من المقررات الدراسية لأن انتحارها أصاب الابن وابنتها، اللذان كانا ينامان في الغرفة المجاورة، بصدمة نفسية؟

يُشدد الأكاديميون والنقاد على أهمية تجنب مغالطة السيرة الذاتية، أي أنه يجب فصل العمل الفني بشكل عن صانعه، حتى نتمكن من الحكم على العمل بشكل صارم من حيث الجماليات. إلا أن ’ديدرير تتخذ نهجًا مخالفًا تمامًا. تدعي أنه لا يمكننا فصل ردود أفعالنا على العمل عما نعرفه عن حياة الفنانين بصفتنا جمهور المعجبين. وأن سيرنا الذاتية كذلك، وإخفاقاتنا وأوهامنا، وتاريخنا الخاص (الحنين والنوستولجيا، على سبيل المثال، عندما نسمع أغنية قديمة)، تلون ردود أفعالنا. والنتيجة رقصة معقدة من التعاطف والكراهية. في بعض الأحيان، في الواقع، نعجب حتى بالفنانين السيئين الذين لا يرضخون للآداب العامة والتقاليد، ونحسد أنانيتهم والتزامهم بالعمل على كل شيء آخر، ونبتهج سرًا بمشاهدتهم وهم يستهزئون بالقيود المجتمعية العادية.

من هنا فإن مقاربة ’ديدرير للموضوع فريدة من ناحية أنها لا تناقش المسألة، كما هو معتاد، بطريقة أخلاقية فلسفية جافة، ولكنها تقارب الموضوع عن طريق إحساسها ومراقبة الآثار العاطفية التي تتركها الأمثلة في نفسها قبل تحكيم المنطق والنظريات الجمالية والأخلاقية. تلخص ذلك بالقول: “الحقيقة أن استهلاكنا للعمل، أو عدمه، لا معنى له جوهريًا كبادرة أخلاقية. نحن متروكون مع المشاعر. متروكون مع الحب”.

جانب آخر من تفرد هذا الكتاب أنه على الرغم من أن ’ديدرير قد أنجزت بحثًا معمقًا، وتناقش بكل جدية، إلا أن أسلوبها يتسم بالبهجة وعدم الرسمية. مناقشتها للكاتب ريموند كارف، مثلاً، لا تضعه فقط كزميل مقيم في سياتل ولكن أيضًا كزميل مدمن على الكحول. قد يرفض الكاتب الأكاديمي هذا الأمر باعتباره حديثًا سطحيًا، في حين يجب تجنب الخوض في الأمور الشخصية. لكن ’ديدرير تدافع عن نهجها، وتقول: “شخصيتي هي العنصر الحاسم في تجربتي كناقد، وأفضل شيء بالنسبة لي هو ببساطة الاعتراف بهذه الحقيقة”.

تعترف ’ديدير بأنها أملت تقديم إجابة محددة لألغاز فصل الفن عن الفنان وأخلاقيات الفن. “كنت أتمنى أن يخترع شخص ما آلة حاسبة على الإنترنت حيث يقوم المستخدم بإدخال اسم فنان، وعندها ستقيم الآلة الحاسبة فظاعة جرائمه مقابل عظمة الفن، ثم تصدر حكمًا: يمكنك أو لا يمكنك الاستمتاع بعمل هذا الفنان”. نظرًا لأن هذا أمر سخيف بشكل واضح، فإنها تُظهر بدلاً من ذلك التقلبات المقلقة، وربما غير القابلة للحل، التي نشتبك معها عندما نحب العمل ولكننا نكره تصرفات فنانه.


تقييمنا: كتاب رائع، ننصح به

التصنيف: 4.5 من أصل 5.

كتبها: قسطنطين حرب

الكتاب في هذه المراجعة: Monsters: A Fan’s Dilemma, by Claire Dederer