التصنيفات
روايات

قصة مغمورة في تاريخ عائلة مشهورة

مراجعة رواية آل نتنياهو لجوشوا كوهين

يمكن أن تُميز جوشوا كوهين على أنه كاتب تجريبي فقط من خلال التناقض الشاسع بين تقييم القراء لأعماله وبين استقبال النقاد لها. فبينما حازت رواياته على استحسان النقاد ووصفته الغارديان بأنه عبقري، لم تتجاوز رواياته “كتاب الأرقام” و “خفة دم” وأربع رسائل جديدة” حاجز الثلاث نجوم على غودريدز، ثم أتى فوزه بجائزة البولتزر ليضع التاج على رأس هذه الفرقة.

راويته الأخيرة “آل نتنياهو: قصة ثانوية وحلقة مهملة في نهاية المطاف من تاريخ عائلة مشهورة جدًا” هي الأقل تجريبية بين أعماله، وتتطرق لقضايا الهوية والسياسة، واستخدام وسوء استخدام التاريخ. وصلت الرواية عام 2021 إلى الناشر New York Review Books (NYRB) بعد أن رفضها 12 ناشرًا آخر. قال كوهين بعدها: “لا أعتقد أن العديد من المحررين في دور النشر قد تجاوزوا العنوان”. وبغض النظر عن ذكائها وفضائلها الأدبية الأخرى، فإن رواية كوهين السادسة ترشح بالتعالي على آل نتنياهو، وخاصة الأب بنصهيون، المؤرخ الراحل ليهود العصور الوسطى في إسبانيا، ووالد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة.

تعود أصول رواية كوهين إلى الإعجاب الذي ولدته أعماله السابقة لدى النقاد. حيث تلقى في أيار 2018 بريدًا إلكترونيًا من هارولد بلوم، الناقد الشهير وأستاذ جامعة ييل، يستدعيه إلى ولاية كونيتيكت لإجراء نقاش أدبي وقد كان بلوم قد ضمن “كتاب الأرقام” في قائمته المكونة من 48 رواية “للقراءة وإعادة القراءة”. وثق كوهين اللقاء مع بلوم ونشره على مراجعات لوس أنجلوس للكتب.

خلال اللقاء، يخبر هارولد بلوم المدافع عن الفكر الغربي كوهين عن قصة لقاءه بالأكاديمي بولندي المولد بنصهيون نتنياهو والذي سيُعرف عالميًا كوالد بنيامين. كون الرواية ليس تأريخًا حقيقًيا عن اللقاء، يتحول هارولد، في العمل المهدى لذكراه، إلى “روبن بلُم”، مختص في تاريخ الاقتصادي الأمريكي، يُختار لاستقبال مؤرخ هو نتنياهو نفسه.

رغم أن الرواية هي الأقل تجريبية، والأقل لعبًا باللغة، إلا أنها لا تزال غير معتادة في كثير من الأجزاء، ويقاطع السرد كثيرًا حوارات، بل ومحاضرات عن قضايا سياسية ودينية عدة. تبدأ دراما الكتاب بالتحرك عندما يُستدعى Blum من قبل رئيس قسمه لقبول مهمة غير مؤهل من الناحية الفنية للقيام بها. تقوم كلية كوربين بفحص مرشح لتعيينه محاضر في التاريخ والكتاب المقدس: بنصهيون نتنياهو، المفكر الصهيوني اليميني المتحمس، وباحث محبط حول محاكم التفتيش الإسبانية ويهود السفارديم، ومؤلف أكثر من 1000 صفحة حول هذا الموضوع. ’بلُم أمريكي لديه معرفة ضحلة بالتاريخ الأوروبي، ومع ذلك وضعه رئيسه في لجنة التوظيف لأن بلُم، مثل نتنياهو، يهودي. ’بلُم مكلف بتقييم منحة نتنياهو وأيضًا ما يسميه مورس “شخصيته، لياقته وكفاءته. . . ما إذا كان سيندمج جيدًا”. من الناحية العملية، يعني هذا السماح لنتنياهو بالنزول في بيت بلُم ومرافقته حول الحرم الجامعي. تشبه معاداة السادية هذه ما يحصل اليوم مع اللاجئين عندما يطلب من دكتور في الاقتصاد استقبال وتقييم قابلية مهندس على الاندماج في بلد اللجوء فقط لأنهما من أصول سورية.

يفتتح العمل كرواية حرم جامعي معتادة مع بلوم في القرن الحادي والعشرين، يستذكر وينظر في الأحداث الماضية. يفكر في الانشغال الحالي بالتاريخ، والبحث المستمر عن “الماضي القابل للاستخدام”، ذلك التثبيت اليساري الجديد القديم، والذي يتناقض مع رغبته في الهروب من التاريخ اليهودي -، وفن صناعة مشكلة من كل شيء، وإيجاد التعصب والتحيز في كل مكان. من خلال ’بلُم، يعطي كوهين صوتًا للإحباط من مضمون الكثير من الجدل المعاصر. على نطاق أوسع، تنتقد الرواية العقلية التي ترى الاضطهاد والتعصب الأعمى والقهر من أي نوع على أنه أمر لازم له وغير قابل للتغيير ولا مفر منه- سواء في شكل التشاؤم الإفريقي الذي أصبح يؤثر على الكثير من الخطاب الأمريكي حول العرق، أو في التشاؤمية اليهودية الكامنة وراء صهيونية نتنياهو.

تتألق مهارات كوهين في النصف الثاني من الكتاب، بعد وصول عائلة نتنياهو إلى منزل بلُم. بمجرد ظهور عائلة نتنياهو في العمل، حيث يصطحب بنصهيون زوجته وأبنائه الثلاثة الغير مدعوين للمقابلة، يميل السرد نحو الكوميديا الهزلية. يستحضر كوهين بدقة الصدام بين الرضا عن الذات لدى البرجوازية الأمريكية متمثلة في عائلة بلوم ومعيشتها الفارهة، والعدوانية والتظاهر بالتقوى والتحفظ لدى عائلة نتنياهو. ويتبين أن بنصهيون متسلط ومزعج ومبتذل. وتشرب زوجته كثيرًا، فيما يركض الأولاد الثلاثة المشاغبون في أرجاء المنزل بطريقة تستفز بلُم.

في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس بعد فوزه بجائزة بوليتزر أصر كوهين على أنه يتمنى أن يكون العمل مضحكًا، وأن “الكتاب كتب حقًا ككوميديا. بالنسبة لي، هذه هي سياسته” لكن يقر في الوقت ذاته ببعض النوايا الجادة وغير الكوميدية ويكشف عن موقفه الشبيه بموقف ’بلوم تجاه ’بيبي.

يقول كوهين أنه يرى عائلة نتنياهو على أنها مرادفة لعائلة ترامب، “عائلة برامج الواقع”، مع تأثير بنصهيون المسيطر على ’بيبي على غرار تأثير فريد ترامب المدمر على دونالد. قال كوهين لوكالة أسوشييتد برس: “إنه في مثل علاقات الأب والابن هذه يصنع المستبدون”. ولا يقدم أي اعتذار عن نقل الرواية لذكريات ’بلوم المهينة حول نتنياهو، قائلاً: “عندما تصبح رئيسًا للوزراء تتنازل عن بعض الخصوصية، وخاصة عندما تصبح من نوعية رؤساء الوزراء التي أصبح عليها بيبي”.

على الرغم من أن جميع الناشرين الإسرائيليين الرئيسيين رفضوا في الأصل ترجمة كتاب نتنياهو، خوفًا على الأرجح من اتخاذ إجراء قانوني، إلا أن مجلة أدبية إسرائيلية صغيرة نشرت لاحقًا نسخة بالعبرية. رفض المتحدث باسم نتنياهو التعليق على الرواية. من المثير رؤية هذه الرواية بالعربية، ومن المثير أكثر رؤية رواية عربية مشابهة.


تقييمنا: ننصح بها محبي الأدب السياسي.

التصنيف: 4 من أصل 5.

كتبها: دريد الغزال

الرواية في هذه المراجعة: The Netanyahus: An Account of a Minor and Ultimately Even Negligible Episode in the History of a Very Famous Family, by Joshua Cohen