التصنيفات
قوائم أدب دليل متة للأدب

دليل المشغول إلى أعمال غابرييل غارسيا ماركيز

عن أهم أعمال الكاتب الكولومبي الكبير

ولد غابرييل غارسيا ماركيز عام 1927 مع دماغين وذاكرة فيل، كما ادعى والداه. هكذا تبدأ الأساطير حول كاتب الواقعية السحرية، الذي مزج الحقيقة والخيال لتلائم الواقع الهائل للحياة في أمريكا اللاتينية. كان حجم عمله رحبًا بنفس القدر. تشمل سيرته ما لا يقل عن 24 كتابًا -بما في ذلك الروايات والنوفيلا ومجموعات القصص والأعمال الغير قصصية- تغطي موضوعاته الواسعة الخيال والسياسة والحب والذاكرة، وبالطبع الوحدة. وهكذا، هنالك شيء لدى ماركيز لمحبي القراءة بمختلف اهتماماتهم.

لم تخلو حياة غابرييل من الجدل. أثارت صداقته مع فيدل كاسترو حفيظة مكتب التحقيقات الفيدرالي. وجعلت شرائح من اليسار لا تثق بنواياه. لكمه المؤلف البيروفي ماريو فارغاس ليوسا، وهو صديق سابق ومنافس أدبي أبدي، لتدخله في زواج فارغاس المنهار. مع تغيرات التسعينيات، لم يعد غارسيا ماركيز آمنًا في بلده، وتجول في شوارع كولومبيا بسيارة ذات نوافذ مضادة للرصاص وهيكل مقاوم للقنابل. انتقل في النهاية إلى مكسيكو سيتي حيث توفي عام 2014.

زعم ماركيز أن إرنست همنغواي وويليام فولكنر كانا مؤثرين رئيسيين خلال سنواته الأولى ككاتب، ولكن حسب أعماله، كتابات كافكا هي التي أظهرت له الإمكانيات الهائلة للأدب. من المثير للاهتمام أنه بينما اعتقد ماركيز أنه يتلقى كلمات وأفكار كافكا بشكل أو بآخر، فقد كان في الواقع يقرأ ترجمة خورخي لويس بورخيس “المحسنة” للنص، والتي تحتوي، بطريقة بورخسية حقيقية، على عدد من التغييرات المتعمدة.

لا يزال غابرييل يمثل حضورًا هائلاً في أدب أمريكا اللاتينية، ويتضح أثره من أن الكتاب اللاتيني المعاصرين الذين إما يتحدثون عن تأثرهم به، أو يضعون أنفسهم في تضاد مع أعماله. كما يمتلك منزلة خاصة في العالم العربي لأن أعماله، عبر ترجمات صالح علماني، كانت بوابة القارئ العربي إلى الأدب اللاتيني، ويمكن تشبيه ما فعلته ترجمة علماني لغابرييل غارسيا ماركيز، بأثر ترجمة الدروبي لأعمال دوستويفسكي على إدخال الأدب الروسي إلى العالم العربي.

اليوم أصبحت العديد من أعمال غارسيا ماركيز متوفرة بالعربية، وقد يحير القارئ من أين يبدأ معها، أو ما قد يتوافق مع اهتماماته وشغفه، لذلك نقدم لكم هذا المدخل لأعمال غابرييل غارسيا ومن أين يمكن للقارئ أن ينطلق.

أود أن أبدأ بأعظم أعماله

جعل أعظم مؤلفات أي كاتب نقطة البداية أمرٌ منطقي جدًا لأنها تحدد المعيار المتوقع من الكاتب في أفضل صوره. مع ذلك يجب الانتباه؛ رغم أن “مئة عام من العزلة” هي أعظم أعمال غابرييل، إلا أنها الأصعب أيضًا. ولشخص غير معتاد على هذا النوع من الواقعية السحرية، ومع العدد الهائل للشخصيات ذات الأسماء المتشابه، فقد تشكل قراءة هذه الرواية تحديًا.

كان لدى غارسيا ماركيز خطط كبيرة لهذا الكتاب، والذي يتطرق إلى الموضوعات الرئيسية التي سيواصل تطويرها عبر بقية أعماله. هو تاريخ مسقط رأسه، في ساحل كولومبيا ومنطقة البحر الكاريبي، حيث هُزم الإسبان لأول مرة وبدأ مشروع أمريكا اللاتينية. هو غابرييل غارسيا ماركيز في جوهره.

تحكي الرواية قصة عشيرة بوينديا الأسطورية، بقيادة خوسيه أركاديو بوينديا، وبلدة ماكوندو، وهي قصة رمزية لأمريكا اللاتينية بشكل عام. نُشرت عشية حقبة من الإرهاب والقمع في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية، والقصة مثال لا لبس فيه عن الإمبريالية حيث تتداخل الكوارث طبيعية والحروب الأهلية والأوبئة. يروي غارسيا ماركيز قصة نجاة بلدة ماكوندو من كارثة تلو الأخرى -بما في ذلك نسخة خيالية من مذبحة الموز عام 1928 التي يصر أنه ولد في عامها لا قبلها- حتى تواجه نبوءة مخطوط أحد العرافين.

استغرق غارسيا ماركيز 18 شهرًا فقط لكتابة “مئة عام من العزلة”، على الرغم من أنه أمضى ما يقرب من عقدين من الزمن يفكر في القصة في رأسه. أثناء قراءة مراجعات روايته “عاصفة الورق” -وهي ساحة اختبار مبكرة لماكوندو وشخصياتها- أخبر أخاه: “هذا جيد، لكنني سأكتب شيئًا يقرأه الناس أكثر من كيخوت.”

ماذا هنالك أيضًا؟

أمضى غابرييل غارسيا ماركيز في رواية “خريف البطريرك” عشر سنوات يبحث في الدكتاتوريات التي لم يفتقر لها العالم الناطق بالإسبانية أبدًا؛ من فرانكو الإسباني، وتروجيلو من جمهورية الدومينيكان، وبينيلا في كولومبيا، ثم دمج كل هذه الشخصيات في “جنرال الكون”، في عملية ربما أطلقت أيضًا شياطين شخصية، فقد قال ذات مرة لمارتن: “أنا البطريرك. إذا كنت لا تفهم ذلك … كيف ستكون كاتب سيرتي الذاتية؟”.

تبدأ الرواية باكتشاف جثة الطاغية على أرضية القصر الجمهوري “أكبر من كل كبار السن وجميع الحيوانات الطاعنة في السن في البر والبحر”، ثم تنطلق لتستكشف الانحلال الأخلاقي والشلل السياسي فيما أسماه المؤلف “قصيدة عن عزلة القوة”. ووصفها أيضًا بأنها أفضل رواياته. يستمد الإلهام من مجموعة لا حصر لها من الديكتاتوريين من أمريكا اللاتينية وخارجها.

هل من أعمال أقل تحديًا؟

إن كنت تود البدء بشيء أقل تطلبًا، ويتمتع بإسلوب غارسيا ماركيز المميز، فليكن “الحب في زمن الكوليرا”. رواية جميلة ومؤثرة تحكي قصة رجل يدعى فلورنتينو أريزا سيطر عليه حبه لامرأة تدعى فيرمينا دازا. يمتد انتظار البطل لعشيقته، ومعه الرواية، لأكثر من خمسين عامًا. تستكشف موضوعات الحب والخسارة والشيخوخة والزمن والطبقات الاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، توفر الرواية نظرة ثاقبة لثقافة ومجتمع كولومبيا خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. الرواية غارقة في تقاليد وعادات المنطقة، مما يجعلها قطعة أثرية ثقافية قيمة بالإضافة إلى أنها عمل فني.

وجد غارسيا ماركيز الإلهام لهذه الرواية في منزله. كان والده غابرييل إليجيو غارسيا، شاعر ممارس يجيد الإغواء وأغاني الحب، وكان يتودد إلى لويزا سانتياغا خلال فترة إجازته من مكتب التلغراف العام، مما أثار حفيظة عائلتها. يبدو أن غابرييل قد أخذ التفاصيل من هنا بشكل حر، ثم ألف قصته حولها.

ماذا لو بدأت برواية قصيرة بدلاً من رواية كاملة؟

ليس لدى الكولونيل من يكاتبه” نوفيلا مؤثرة تروي قصة عقيد عجوز يعيش في فقر في بلدة صغيرة غير معروفة في كولومبيا. ينتظر الكولونيل، المحارب المخضرم في حرب الألف يوم، معاشه منذ خمسة عشر عامًا، وفي كل يوم جمعة يترقب عبثًا رسالة البريد لتزويده بأخبار جديدة. القصة تأمل مؤلم في حالة الإنسان، حول النضال من أجل البقاء في وجه الفقر واليأس، وعن قوة الأمل لإعالتنا حتى في أحلك الأوقات. تصوير غارسيا ماركيز للعقيد وزوجته هنا مفجع ومؤثر للغاية. هذا عمل أدبي قوي لا يُنسى يستكشف أعماق النفس البشرية بأمانة ورحمة.

أو ربما قصص قصرة؟

الحجاج الغرباء” مجموعة من اثنتي عشرة قصة قصيرة تتبع أمريكيين لاتينيين في أوربا، وتستكشف موضوعات مثل الحب والموت والعزلة. هذه القصص القصيرة مدخل رائع لأسلوب غارسيا ماركيز الذي يمزج بين الواقعية السحرية والقضايا الاجتماعي.

تستكشف القصص موضوعات عالمية ذات صلة بالقراء من جميع الثقافات، لذلك إذا كنت تستمتع بقراءة القصص القصيرة المثيرة للأفكار والمكتوبة بشكل جميل، فإن “الحجاج الغرباء” تستحق أن تأخذها في الاعتبار بالتأكيد.

بدأت أشعر بالضياع. هل من شيء حول ذلك؟

جرب رواية “الجنرال في متاهته” (1989)، وهي سرد خيالي للثوري السياسي سيمون بوليفار، المعروف باسم “محرر” أمريكا الجنوبية. بدأ بوليفار، الذي أصابه المرض وهمشته الحكومة التي ساعد في إنشائها، في رحلة أخيرة عبر نهر ماغدالينا، حيث يقوم بتقييم حياته أثناء زيارته لمواقع المعارك التي شهدها سابقاً. تحقق ما عمل عليه من أجل هزيمة التاج الإسباني، لكن أمريكا الجنوبية الموحدة التي كان يتوق إليها تمزقها المكائد والغيرة والاغتيالات والانقلابات.

الرواية المقتبسة من رسالة كتبها بوليفار عام 1823، ويلخصها قوله: “يبدو أن الشيطان يتحكم في شؤون حياتي”. ليست رواية سياسية فقط عن أحلام توحيد القارة اللاتينية، ولكن أيضاً عن خيبات الأمل الشخصية، والشعور بالضياع والفوضى بعد عمرٍ من ملاحقة الإنجازات.

ماذا عن أغرب شيء كتبه؟

هناك العديد من الإجابات المحتملة على هذا السؤال. مع ذلك، فإن روايته الأخيرة ” ذكريات عاهرات كآبتي” (2004) فريدة بشكل واضح حتى في عنوانها.

يقوم صحفي عجوز بزيارة روتينية إلى بيت الدعارة المفضل لديه، وبناءً على طلب خاص يريد الاحتفال بعيد ميلاده التسعين مع عذراء. تحقيقا لهذه الغاية، اختار فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا. الفجوة العمرية بينهما مثيرة للقلق بالتأكيد. ولكن بدلاً من إتمام الصفقة، تنهار الفتاة على السرير، منهكة من رعاية إخوتها والعمل في مصنع للأزرار. يقع في الحب بين عشية وضحاها ويستيقظ على وحي أن الحياة ليست سريعة الزوال مثل نهر هيراكليطس المتغير باستمرار، ولكنها فرصة فريدة لقلب الأمور ونقل التجارب للجيل القادم.

تلقت الرواية القصيرة مراجعات متباينة، حيث أشاد بعض النقاد بنثر ماركيز الغنائي والمنظور الفريد للبطل المسن وبائعات الهوى، بينما انتقد آخرون تصوير العلاقة بين الصحفي والفتاة. لذلك إن كنت تبحث عن شيء غريب، فهذا هو.

أخبرني عن أعماله الغير قصصية

يضم كتاب “بلا قيود” مجموعة مقالات ماركيز الصادرة في الصحف والمجلات بين عامي ١٩٧٤ وتشمل بعض الموضوعات التي يكتب عنها غارسيا ماركيز في “Por la libre” السياسة والأدب والثقافة، كما أنه يغطي الأحداث التاريخية مثل حرب المخدرات الكولومبية واغتيال لويس كارلوس غالان، المرشح الرئاسي الكولومبي، وتورط خورخي لويس بورخيس في مساندة الديكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية وغيرها.

يعتبر “Por la libre” عملاً صحافيًا مهمًا في أمريكا اللاتينية، وقد تم الإشادة به لعمقه وبصيرته ووضوحه.

أود أن أقرأ عن الرجل نفسه

على عكس السيرة الذاتية التي جمعها جيرالد مارتن عام 2008، فإن سرد غارسيا ماركيز عن حياته في “عشتُ لأروي” يعتبر أكثر إمتاعًا وأكثر موثوقية. يركز الكتاب على السنوات الأولى التي شكلت الكاتب الذي نعرفه؛ على الوقت في الخمسينيات عندما ترك الجامعة وذهب في رحلة عبر كولومبيا مع نسخة مع رواية لوليم فولكنر في جيبه. يحتوي الكتاب أيضًا على تفاصيل شخصية، ووصف غير خجول لليالي العديدة التي قضاها في بيوت الدعارة. بالنسبة لرجل قضى حياته كلها في ابتكار القصص، يُظهر هذا العمل أنه ربما كان أعظم اختراع له هو نفسه.

الكتاب ليس فقط سيرة ذاتية ولكن تأملات ملهمة عن الكتابة والقراءة والإبداع. يمكنك الاطلاع على تجميع لكتبه المفضلة الواردة في هذا الكتاب هنا.