التصنيفات
شعر

الشعر العربي بين القديم والحديث 2: المجتمع السلطوي، وظيفة الشعر، والفردانية

الجزء الثاني من سلسلة نقد المنظور التقليدي للشعر العربي

لنتحدث عن المجتمع السلطوي الأبوي. في مثل هذه المجتمعات مثل مجتمعاتنا لا شيء، لا شيء على الاطلاق يخرج عن علاقات السلطة.  كل منظومة اجتماعية (وخاصة السياسية) تقوم على مجموعة من العلاقات والقواعد. هذه العلاقات غير متناظرة وغير متكافئة، أي أنها سلطة في اتجاه وخضوع في الاتجاه الآخر. بالطبع توجد علاقات تعاون وتبادل متناظر تتساوى وتتكافأ فيها الرساميل المتبادلة بين الأعضاء. لكن التركيز هنا هو على العلاقات السلطوية التي تحكم كل شيء له علاقة بالدولة والحكم والنخب وتجميع الثروة والسلطة.

في النمط الأبوي من المجتمعات، العلاقة دائماً سلطوية وهرمية واحتكارية. “الأب” (أو ما يقابله) يحتكر القرار والأوامر والثروة ووسائل الإخضاع (العنف، التابوهات، المقدس، الأعراف) ، ويطلب من الجميع الخضوع والامتثال والولاء. إنه يتحكم بحياتهم وخياراتهم وقراراتهم وبتوزيع الثروة عليهم.  إنه المرجعية العليا التي تنتج المعايير وتقيم الأعضاء على أساسها. وأي خروج عن المعايير هو خروج عن الولاء والطاعة. في المجتمع الأبوي الذكور يتنافسون على منصب “الأب” في صراع صفري (سنذكر لاحقاً تنافس صفري في الشعر وفي المعركة على الشعر)، ينتج عنه رابح واحد ومجموعة من الخاسرين الخاضعين.  هذا النمط من العلاقات الاجتماعية نجد انعكاسات له في كل مجال آخر، في الشركة في المنظمة في الدولة في النادي في العائلة في العشيرة في الاقتصاد في التعليم في الأخلاق في العادات وفي الثقافة.  من أجل نقاشنا، سأميز نقطتين أساسيتين في السلطوية الأبوية، المرجعية والمعيار.

الأب يحتكر السلطة، وبالتالي يحتكر القيم ويحتكر المرجعية ويحتكر المعرفة ويحتكر المعايير. كل شيء لا يخدم سلطة الأب الزعيم أو يحاول تحديها تتم محاربته وبشراسة. المرجعية والمعيار من أسس السلطة. من يملك المعياري يملك النقد ويملك التقييم وبالتالي يملك الثواب والعقاب. والمعيار يكون بالمرجعية التي هي غالبا قديمة. المرجع يحدد المعيار، معيار الجودة، ومعيار الجمال، ومعيار الاخلاق، ومعيار الانتماء، ومعيار القبول المجتمعي. الصراع هنا ليس على جماليات الشعر الجاهلي مقابل جماليات الشعر الحديث، وإنما هو صراع على مرجعية هذا أو ذاك. وعندما أقول أن أشعار محمود درويش تعادل قناطيرًا من الشعر الجاهلي، فهذا لأني أريد ضرب المرجعية؛ ولأني أعرف أنه لا خطيئة أكبر عند حراس السلطة الأبوية من ضرب المرجعية. إنها تشبه ضرب مرجعية المشايخ أو مرجعية الحديث أو مرجعية البخاري أو مرجعية ابن تيمية.

يجب أن يبقى امرؤ القيس وطرفة بن العبد مرجعيات في الشعر، ويجب أن يبقى المفضل والأصمعي والزمخشري مرجعيات في النقد. المرجعية مقدسة لا يأتيها الباطل من أية جهة. المرجعية غالبًا قديمة لأننا نستطيع تقويل القديم ما نريد اكثر بكثير من قدرتنا على تقويل الحي النابض. النبي مفيد للمنظومة الأبوية ميتًا أكثر من فائدته حيًا، فلو كان حيًا لالتغت الحاجة إلى الكهنوت. ونعرف أن الكهنوت في أية أيديولوجيا أهم من مؤسسها الذي غالبًا لم يقل عشر ما يُنسب له.

المعيار يأتي مما نضعه على لسان المرجعية. وكما أن وجود المرجعية بحد ذاته هو علاقة سلطوية، فان المعيار يعكس أيضًا العلاقة السلطوية نفسها. يقولون في الحديث عن الشعر البحوري: “لا جمال دون معيار وقواعد”. لا وجود ولا جمال دون معايير وقواعد. أي أنه لا وجود ولا جمال خارج منظومة العلاقات السلطوية. هذه بحد ذاتها مقولة سلطوية؛ لا بل غاية في السلطوية.

ما هي مؤشرات هذه العلاقات السلطوية في الشعر؟

هناك مؤشرات شكلية ومؤشرات معنوية. من الناحية الشكلية، وكما ذكرنا سابقاً، فإن معايير (قواعد) الشعر البحوري هي البحور، القافية، البيت، القصيدة، المواضيع، الصور، البلاغة، الجزالة، الفحولة. الشعر الجاهلي كله قواعد ولا شيء فيه إلا القواعد، لا بل إن معيار الجودة والجمال مرتبط باحترام القواعد. اللفظ يخضع للتفعيلة: مقطع قصير ومقطعين طويلين كما في فعولن، أو مقطع قصير وثلاثة مقاطع طويلة كما في مفاعيلن، أو مقطعين طويلين ثم قصير ثم طويل كما في مستفعلن. والتفعيلة تخضع للبحر (16 بحر فقط، أي عدد محدود من التفعيلات). والبحر مجموعة تفعيلات ثابته تتعاقب فيها المقاطع الصوتية بشكل مسبق الصنع وثابت. لا بل أصبح الخروج عن التفعيلة معياراً لجودة النظم، فهناك الخروج المستحسن والخروج المستقبح عن التفعيلة (لا يقل عن عشرين نوع). ثم تأتي القافية لتقول لنا بأن البيت قد انتهى، انتهت المساحة المتاحة للشاعر للتعبير عن فكرة، وعليه أن ينتقل إلى فكرة أخرى. البيت وحدة متكاملة تعلن القافية انتهاءها. يجب أن تبدأ الجملة وتنتهي في نفس البيت. أمامك مساحة شطرين لتنتهي من فكرتك. وحتى لو عدت الى الشعور نفسه في البيت التالي أو في الأبيات التالية فإنك كشاعر ستعبر عن نواح مختلفة من ذلك الشعور وبنفس الاقتضاب (لن تستطيع العودة ولن تستطيع تطوير الحالة الشعورية). مجموع الأبيات هو جدول محتويات للنواحي الخاصة بالشعور المعين الذي يستطيع الشاعر التعبير عنها. وبعدها سيضطر الشاعر للتحول إلى شعور آخر او موضوع آخر. فإذا أخذنا مثلا شعور الغضب: فالبيت الأول سيقول أنا غاضب، وسيُشبه البيت الثاني بين غضبي وغضب الاسد، وسيتطرق البيت الثالث للغضب كتعبير عن التمرد، وسيتطرق البيت الرابع للغضب كتعبير عن جرح الشرف. وانتهينا. لن تكون هناك أية سردية للغضب كشعور ديناميكي تتغير حدته وينوس بين أقطاب ويجلب مشاعر أخرى مرافقة. لا مجال أبدًا للسردية لأن السردية غير منضبطة ويمكن أن تفلت من العقال في موقف مثل الحرب أو الصراعات القبلية.

في تقييم الشعر القديم نميز في الألفاظ بين جذل وبسيط. لابد للشاعر المجيد أن يبحث عن الكلمات الغريبة وغير المعروفة. الشاعر الجيد يسمى الفحل في إشارة إلى ذكورته. الفحولة تأتي من الالتزام بالبحر (دون خلل)، ومما يسمى “جزالة الألفاظ” (غرابتها وعدد مرادفاتها). إنها الصنعة، والصانع الماهر هو من يأتي بما لم يأت به من قبله. إنه التنافس أيضًا- لا بد للشاعر المجيد أن يتفوق على أقرانه (المنافسة الأبوية)، وبالتالي من أن يخلق مجالات جديدة للتنافس، مثل أن يأتي بألفاظ غريبة.

ومن معايير البراعة الاستخدام المجدد للتشبيه أو التصوير (البلاغة). وعلى الرغم من الاحتفاء بالصورة الجديدة، إلا أنها نادرة. فضاء التشبيهات محدود، والبراعة هي في استخدام التشبيه حسب المعروف وفي المكان المناسب. وهنا نعود إلى التقييم من خلال الاستحسان والاستقباح: فأن نقول أن الليل ثقيل مثل الجبل فهو تشبيه مستحسن؛ أما أن نقول بأن القمر شاحب مثل الحزن فهو مستقبح لأن القمر نوراني والنور مرتبط بالانشراح. كما نلاحظ الاقتصار على الصور على حساب التورية. لا حاجة للإبحار في عالم من الخيار. التشبيه يربطنا بالواقع من خلال لفظة مثل أو حرف كـ. أما التورية فتُماهي بين الشيء والخيال.

يخضع الموضوع لمنظومة القصيدة التي تبدأ بالوقوف على الأطلال ومناجاة الحبيبة وتنتقل إلى الرحلة والراحلة ثم تعرج على المديح أو الهجاء. حتى خيارات المواضيع فهي محدودة: الأطلال، الرحلة، الراحلة، البرية، الصيد، الغزل، الهجاء، المديح، الفخر، الرثاء (هو نوع من الفخر)، المعركة، الحكمة. وكلها مواضيع منضبطة لا تخرج عن سيناريوهات معروفة ومكررة. إنها خاضعة لحاجات المجتمع الأبوي القبلي: إذا أردت أت تحزن فعندك الرثاء (وهو نوع من الفخر)، وإذا أردت أن تغضب فعندك الهجاء (وهو نوع من الفخر العكسي)، وإذا أردت أن تشعر بالقوة فعندك الفخر (أخلاقيات محدودة ترسم ملامح المجتمع الأبوي)، وإذا أردت أن تشعر بالجمال فعندك الرحلة والراحلة والبرية، وإذا أردت أن تشعر بالحب فعندك الغزل (وهو إما عذري يخضع لأخلاقيات المجتمع، أو فاحش يعامل المرأة معاملة الجارية)، وإذا أردت أن تتباهى بذكورتك فعندك المعركة والفخر بالنسب والأخلاقيات البدوية والزعامة، وإذا أردت أن تتفلسف فعندك الحكمة التي تدور حول موضوع الدهر وكيف يحول الإنسان من شاب إلى عجوز وموضوع انعدام أخلاق الناس واستحالة الصديق (وهو تفنيد لموضوع الفخر حيث نجد أن الناس هم نفسهم في كل عصر ولا توجد أخلاق عربية حميدة كما يزعم المتفاخرون). وحتى المعاني المختلفة لها بحورها المستحسنة.

وهكذا نرى وجود العلاقات السلطوية ضمن الشعر. قواعد وانضباط وخيارات محدودة في اللفظ والمعنى والتعبير والمواضيع.

وحتى الشعر الحديث لا يخلو من هذه العلاقات السلطوية. كل شيء فردي غير مستحسن، وكل شيء جمعي (وطن، قضية، أيديولوجيا، حنين للوطن) مستحسن.  القصائد المعتبرة “عظيمة”؛ مثل المعلقات التي تعكس كل هذه القواعد. وهي قصائد مناسبات. أي أنها مكتوبة لغرض اجتماعي وليس لغرض فردي. فهي إما مديح أو رثاء أو فخر أو غزل، أو أنها عمل فني مقدم إلى ملك أو إلى منافسة شعرية. الشعر الجاهلي لا يعكس الفرد أبداً بل يغيبه ويقيده. إنه لا يعبر عن الفرد وإنما عن الجماعة، حتى الرثاء والغزل فهما يعكسان الصورة المثالية عن أخلاقيات الجماعة.

ويقولون في النهاية بأن القواعد لا تؤثر على التعبير عن المشاعر. أقول بأن هذه القواعد موجودة بالضبط لتحد من المشاعر. قلت أن الشعر الجاهلي شعر مناسبة، ليس لأنه مرتبط بالأعراس او بسوق عكاظ، وانما لان المواقف الاجتماعية التي يُسمح للشاعر بان يقول فيها الشعر محدودة وبالتالي فان المشاعر التي يمكن للشاعر أن يعبر عنها محدودة. وكلها مشاعر تكرس السلطة الابوية والعادات والتقاليد المرتبطة بها. المديح والهجاء والرثاء والوقوف على الاطلال خير أمثلة عن القصور الشعوري في المجتمع الابوي. وكما قلت فإن الشعر هنا ليس للمشاعر والأحاسيس وإنما لتأدية وظيفة اجتماعية (أي المناسبة) معينة. الشعر الجاهلي بهلوانيات لغوية ذات وظيفة اجتماعية محددة جدًا لا يمكن الخروج عنها.

إن انضباط البحور يعتبر عربيًا من علامات جمال الشعر (السهل الممتنع). لا تزال القافية كموسيقى وكانضباط علامة اساسية للشعر. كذلك فان انضباط المواضيع (الشأن العام والسياسة والمناسبة) يسمح للشعر بأن يقوم بوظائف اجتماعية هامة. وهي وظائف يجب أن تستمر. ويجب أن نسمح لأدواتها بالاستمرار. إنها تراث عالمي وعربي- دليل على القيمة العليا للكلمة في الحياة الانسانية. حتى ولو كانت شعرًا مبتذلاً (في نظري) مثل الفخر. لكن لهذه الوظيفة الاجتماعية ثمن يظهر بوضوح في العصر الحديث. أنه عائق أمام الفردانية. لا يزال شعر البحر عائقا كبيرًا أمام التعبير المسهب عن المشاعر الفردية.

إن الحديث المتكرر عن الشعر الجاهلي مثال مفيد عن عقم الثقافة السلطوية. إن الآراء التي ترد في أي نقاش بخصوص الدفاع عن الشعر الجاهلي هي نفسها التي قيلت من مائة سنة ولا تزال تقال. لا شيء جديد، لا تواصل مع حضارات اخرى، لا تلاقح في الافكار، لا استفادة من المعارف الحديثة ولا محاولة لخلق شيء جديد أو وجهة نظر جديد، والأهم لا محاولة لنقد القديم. إن شعر البحور والمناسبة لا يزال تعبيرًا ممتازًا وأداة مفيدة للمجتمع الأبوي العشائري المحافظ. وأستطيع أن أقول أن المعركة الحالية على التسمية ليست فقط على احتكار تاريخ تلك الكلمة، بل أيضًا معركة على وظيفة الشعر في المجتمعات العربية. هل لا يزال الشعر سياسيا بالمعنى العام أم سيتحول الى “بكائيات” فردية مغرقة في الخصوصية؟ أو هكذا يراه مناهضو الشعر الفرداني الحر. في الجولة الاخيرة من المعركة وصولاً إلى السبعينات حصل نوع من التصالح والتوازن بين القوتين على موديل شعر التفعيلة. لكن أعتقد أن المصالحة الكبرى كانت على الاستمرار في قصر الشعر على الشأن العام. لا نازك الملائكة ولا أحمد مطر ولا بدر شاكر السياب ولا محمود درويش ولا أدونيس ولا نزار قباني خرجوا عن هذه المصالحة غير المعلنة. لا يزال الشعر مقصورًا على الشأن العام ويؤدي وظيفة اجتماعية للقبيلة الحديثة، أي القومية. لربما كان نزار قباني ثائرًا بعض الشيء في مقاربته لشعر الحب والغزل، لكني أحيانًا أحس أنه ليس إلا استمرارا لتراث شعر الغزل اللعوب، هذا عدا عن تكريس شعره للسياسة بعد هزيمة حزيران.

إن عودة المعركة إلى الظهور هو انكسار في هذا التصالح والتوازن. الشعر الحر كان ديمقراطيًا إلى درجة أنه أفسح المجال لدخول الجميع في ميدان الشعر. فعاد موال البحر والقافية والجودة والسوء والمهنية والتنافس الى الظهور. هل هناك فعلا شعر رديء؟ من حيث أن الشعر تعبير عن المشاعر (وهو التعريف الحديث)، فليس هناك شعر رديء. لكن مقياس الجودة والرداءة اساسي بالنسبة للوظيفة الاجتماعية للشعر بتعريفه القديم. هناك منافسة، هناك صنعة مؤشراتها الانضباط الموسيقي والموضوعي واللغوي (لغة جذلة، مواضيع المناسبة، بحور وقوافي). إن أداة المجاز الأدبي والتورية التي يُكثر منها الشعر الحديث الحر لا تسمح بقياس الجودة والرداءة حسب المعايير السابقة ولا تأبه بالوظيفة الاجتماعية للشعر. إنها من وجهة نظر الجماعة مفرطة في الأنانية والفردانية. وهذه هي فعلاً الامثلة التي أعطاه الشاب المذكور في الجزء السابق، صاحب مدونة الأمالي، في مدونته المرئية. فقد أعطى أمثلة من شعر محمود درويش تعتبر ذروة في استخدام المجاز والتورية. وحسب زعمه فلا هو يفهمها، ولا الشاعر نفسه يفهمها. لكني أعتقد أنه قادر على فهمها إذا ترك مقاربته للشعر؛ لكن مقاربته (أي الشعر كصنعة لغوية لها وظيفة اجتماعية) لا تريد ولا تسمح له بالفهم. “هذا فقط ليس شعرًا”، يؤكد ويصرخ (بهدوء وانضباط) “إن هذا ليس شعرًا… أنتم تتعدون على الشعر وتسرقون اسمه وصنعته ووظيفته، ولن نسمح لكم. سننعتكم بالهرطقة (هذا تمامًا ما فعله) وسنخرجكم من الملة”.

لا تنافس في الفردانية، وبالتالي لا معايير للجودة والرداءة. لا يمكن للشعر الحداثي أن يكون جيدًا أو رديئًا بنفس المعايير السابقة. وإذا اخترعنا معايير فإنها ستكون من نوع الجمال وليس من نوع الجودة والرداءة. وقد رأينا كيف أن النظرة الى الشعر كصنعة تخضع لقواعد ومعاير هي أساسية جدًا للمقاربة القديمة والتي تنبع من مجتمع أبوي تنافسي شديد الانضباط. هذا الشاب، بكل ثقة الرجل العربي في منظومته القديمة يعلن الحرب على الفردانية. إنها هرطقة أدبية ورداءة لغوية وسوء إحساس، فلا أنت تفهمها، ولا هي مناسبة لفهمي. إنها فوضى دون معنى (معركة على إنتاج المعنى). إن الثقافة العربية خائفة بشدة من الفردانية. إنها لا تفهمها. كيف يمكن أن يكون لك شعور لا أعرفه ولا أشترك به معك ولا ينطبق على معايير الأعراف والدين؛ وتريدني أن أجد متعة في إيغالك في التعبير عن هذه المشاعر غير المشتركة. هناك اسم واحد لهذا الفعل في قاموسنا وهو الأنانية الفردية وخيانة الجماعة.

وفي الحقيقة فإن الحداثيين يفعلون الشيء ذاته: شعركم ليس شعرًا ويجب رميه في المزبلة (إلا بعض الأبيات التي ننتقيها)، التسمية لنا، والتاريخ لنا نقولبه كيفما شئنا وسنجد وظيفة أخرى للشعر. إنها وظيفة فضائحية في المعتقد العربي: الإغراق في المشاعر الفردية، سأطرح مشاعري مهما كانت خاصة عرضة للمشاهدة والقراءة والنشر والمحاورة. لا بل سأجعل من الشعر مجرد تعبير عن فردانيتي وسألغي وظائفه السابقة حتى الوظيفة السياسية المتعلقة بالدولة والقومية حيث سأحولها إلى شعور فرداني بحت.

يكتبها: أحمد نظير الأتاسي

 أستاذ التاريخ الإسلامي والشرق أوسطي في جامعة لويزيانا التقنية. فيسبوك