لا أعتقد أن أي فيلسوف، أو حتى كاتب، نشرت إصدارات متنوعة لسيرته بالعربية بقدر نيتشه. في حين أن مقالات مونتين -التي أثرت في نيتشه- لم تُترجم إلى بعد خمس قرون، هنالك حتى الآن ست سير مختلفة عن نيتشه، إحداها ترجمت للعربية عن الاسبانية ولم تترجم للإنكليزية بعد!
تلقى كلمات نيتشه شعبية متجددة في الثقافة، سواء في النسخ المتنوعة للسيرة الذاتية، أو حتى الروايات والأفلام، أو في الدعاية السياسية. مع أكثر من قرن من الإدراك المتأخر، يمكننا أن نبدأ في التمييز بين التأثيرات الحقيقية لفلسفته على الثقافة الشعبية، وعندما يتم إخراج عمله من السياق، أو الأسوأ من ذلك، تسليحه لإثبات أيديولوجيات عنصرية أو مدمرة. حتى لو كانت الإنسانية لا تزال تصارع مهمة خلق معناها الخاص، هناك شيء واحد واضح: فكر نيتشه لا يزال منتشرًا.
في العقود القليلة الأخيرة، برزت نسخ جديدة من نيتشه. قام الفلاسفة الأنجلو-أمريكيون بمواءمته مع مختلف مدارس الفكر ما بعد التحليلي، حيث رأوه كنوع خاص من علماء النفس أو علماء الاجتماع. يعتبر تفكير نيتشه السياسي أيضًا موضوعًا شائعًا، على الرغم من صعوبة التوفيق بين أفكاره وبين المفاهيم الحديثة لليسار واليمين. لقد ثار ضد الديمقراطية والمساواة، ولكن أيضًا ضد القومية ومعاداة السامية. غالبًا ما يتم اقتباس نيتشه في مجموعات اليمين على الانترنت، كما أنه يظهر بانتظام في المناقشات اليسارية حول مستقبل الديمقراطية.
في العالم الإسلامي والعربي، نجد أن نيتشه يُقتبس مرة ضد الدين، ومرة للاستدلال على عظمة الإسلام والإرث الحضاري في الأندلس. ويستخدم كمرجع، بطريقة غريبة، لتبرير منطق القوة لدى الجماعات الإسلامية الراديكالية حتى من قبل الملحدين!
أعلن والتر كاوفمان، أحد الذين ترجموا نيتشه للإنكليزية، أن كتابات الفيلسوف “سهلت القراءة ولكن يصعب فهمها أكثر من كتابات أي مفكر آخر تقريبًا”. يواصل الأيديولوجيون محاولة تكييفه حسب غايتهم لأنهم ينجذبون لقوة نيرانه الخطابية. ويساعد في ذلك أن نيتشه جازم وغامض في آن واحد، متعجرف ومراوغ. إن القول المأثور الشهير لنيتشه القائل بأنه “لا توجد حقائق، فقط تفسيرات” ينطبق تمامًا على مجموعة أعماله المحفزة والمثيرة للغضب.
سير نيتشه
تشكل فريدريك نيتشه
من عام 1858 حتى نهاية ستينيات القرن التاسع عشر، كتب نيتشه ست سير ذاتية على الأقل. تحتل هذه الفترة مركز الصدارة في كتاب دانيال بلو عن نيتشه، والذي يغطي الأعوام 1844–1869. قد نميل إلى التفكير في هذا على أنه نيتشه في سنواته الأولى، ولكن سيكون لذلك دلالات مضللة. يشير مصطلح “نيتشه المبكر” عادةً إلى الفترة 1868–1876، عندما كان تحت تأثير فلسفة آرثر شوبنهاور وشخصية ريتشارد فاغنر. في كتاب بلو المؤلف من 320 صفحة (النسخة الإنجليزية)، اشترى نيتشه كتاب شوبنهاور “العالم إرادة وتمثلاً” في الصفحة 216، وقابل فاجنر في الصفحة 300. لذلك فهذا الكتاب هو نيتشه قبل السنوات المبكرة. يبدأ وعمره ثمانية أعوام، وينتهي به في بازل عند توليه أول منصب جامعي له في فقه اللغة؛ موظف ومستقل ماليًا ولم يعد يطلب من والدته غسل ملابسه.
يركز بلو كثيرًا على تقديم وصف دقيق للحقائق المبكرة لحياة نيتشه، وتصحيح الشائع عنه. ونجاحه هنا لا يرقى إليه الشك. قد تكون هناك بعض الأخطاء الطفيفة… يفترض المرء لوحده أن جد نيتشه لم يمت في ديسمبر 1859 ثم احتفل بعيد ميلاده في أغسطس 1860.
سيصبح نيتشه ملحدًا مشهورًا عالميًا، ويفقد إيمانه خلال الفترة المعنية. قد نتساءل لماذا. لكن بلو يعتقد أننا لا نستطيع أن نعرف. يقاوم بلو أيضًا إغراء ربط تجارب نيتشه المبكرة بأفكاره الشهيرة اللاحقة – وهو أمر شائع في السيرة الفلسفية.
يجب أن يكون لديك بالفعل تصور جيد إذا كنت من النوع الذي يحب أن يقرأ ثلاثمائة صفحة مكتوبة بدقة عن شباب نيتشه. سيعتمد ذلك على ما إذا كان لديك اهتمامات قوية في حياة نيتشه وأعماله. إذا كان نيتشه شابًا مثيرًا للاهتمام بشكل مدهش، أو كان قد بلغ سن الرشد في أوقات رائعة (يتفق بلو مع نيتشه أن فترة الخمسينات كانت الأكثر رتابة أبدًا)، أو كان قد أنتج عملاً هامًا لم يحظى بالتقدير الكافي خلال هذا الوقت، فقد يكون لمثل هذا الكتاب جاذبية أوسع. لكن سيكون من الصعب تقديم حجة تدعم أي من هذه الأمور.
نيتشه: سيرة فكرية
تأتي السيرة الأخرى لنيتشه من نسل علاقة لو أندرياس سالومي القصيرة ولكن الوثيقة مع الفيلسوف. بالنسبة لنيتشه، كانت سالومي “أذكى شخص عرفته على الإطلاق”، الوريثة المثالية لفلسفته، و”أفضل أرض بكر وأكثرها إثمارًا” لأفكاره.
على الرغم من أنها تشتهر اليوم بعلاقاتها مع نيتشه (وريلكه، وفرويد)، إلا أنها كانت معروفة بذاتها خلال السنوات الأولى من القرن ككاتبة ومحللة نفسية. كانت تتنقل بين الدوائر الفنية في برلين وفيينا وباريس وسانت بطرسبرغ خلال السنوات التكوينية للثقافة الأوروبية الحديثة، وعكست كتاباتها حول الدين والتحليل النفسي والمرأة العديد من الموضوعات التي من شأنها أن تشغل بال المفكرين.
تهدف سالومي لعرض نظرة ثاقبة على حياة نيتشه عبر تطبيق شعاره الخاص بأن كل فلسفة هي انعكاس غير واعي لشخصية مؤلفها. توضح هذه الخطة منذ البداية، عندما تقتبس نيتشه في الفصل الأول:
“الحياة هي عائد الاستثمار في الحياة: قد يتباهى الإنسان ويشعر بفخر كبير بمعرفته، وقد يمتدح نفسه ويثني على موضوعيته الدائمة؛ لكنه لن يحصل في النهاية على أكثر من سيرة حياته الخاصة”.
وكذلك، بدلاً من المقدمة، تُضيف خطاب نيتشه، مما يُظهر سعادته بمشروع سالومي في مقاربة الفلسفة من خلال شخصية وتجارب الفلاسفة الحياتية.
وبالتالي، فإن خطة العمل تضع الكاتبة في موقع متميز لشرح تيارات فلسفية تزعم أن مؤلفها كان يعرفها من الداخل للخارج. بقلب الطاولة على نيتشه نفسه، تبدأ سالومي برواية مباشرة عن نفسيته وشخصيته. رأيها الرئيسي هو أن شخصية نيتشه كانت ثنائية وأن هذا بدوره جعله يُنتج فلسفة ثنائية. علاوة على ذلك، نشأت هذه الشخصية المزدوجة بسبب توتر بين غلاف خارجي مصطنع وعنصر داخلي أصيل مكتوم- التوتر الذي كان فيه الخارج الاصطناعي في صراع دائم لقمع وإخفاء المواطن الأصلي المضطرب. وبالتالي، فإن القارئ يدفع إلى التخمين أن نيتشه، في وقت ما من حياته، أصبح مدركًا بشكل مؤلم لصورته الذاتية المثالية المروعة لدرجة أنه اضطر إلى صنع عنصر معاكس لإخفائها- ولكن كخاصية محفورة بشكل دائم وعميق، يجب أن تعاود هذه السمة الظهور، ليتم إخفاؤها وكتمها مرة تلو الأخرى. إن استمرار هذا الاضطراب الداخلي أعطى انطباعًا بضبط النفس المفرط، والسرية، والخداع – وهي السمات المميزة التي جعلت سالومي متوترة وغير مرتاحة ومنعدمة الثقة في صحبة نيتشه.
كانت سالومي في نقدها لنيتشه بلا هوادة، وفي خضم هذه الملاحظات القاتمة تتحطم صورة القارئ لملامح نيتشه العظمية والمهيبة فجأة بسبب وصف سالومي لشخص خجول وغير آمن بشكل رهيب مع صوت رقيق وهادئ، ويدين ناعمتين وأنثويتين. ووصفته بأنه “أظهر لباقة كبيرة، ووداعة أنثوية تقريبًا”. نيتشه نفسه اعتبر أن اللباقة صفة أنثوية وأشار إلى أن نقيضها، “الفظاظة”، هي الترياق الذكوري. لكن يبدو أنه لم يتصرف على هذا النحو.
سيرة سالومي لنيتشه عرضية ومجزأة في الشكل. الكتاب ليس سيرة ذاتية حقيقية أو صورة ذاتية أكثر من سلسلة من التأملات المفككة التي تميل إلى القفز عبر الحلقات المحورية في حياة المؤلف.
على الرغم من أوجه القصور هذه، لا يزال الكتاب مؤثرًا. عندما لا تحاول سالومي إخفاء حلقة مثيرة للجدل في حياتها، تثبت أنها كاتبة ذكية ومثيرة للعواطف، بأسلوب كتابة ممتع. ومناقشاتها حول الإيمان والحب وخيبة الأمل تشهد على وجود عقل ضليع في كل من فلسفة القرن التاسع عشر وعلم النفس في القرن العشرين.
أنا عبوة ديناميت
يأتي العنوان “أنا عبوة ديناميت!” من مقطع مثير للقلق في “Ecce Homo”، كتاب السيرة الذاتية -تقريبًا- لنيتشه الذي وضعه عام 1888، والذي اكتمل قبل شهرين من انزلاقه إلى الجنون، في سن الرابعة والأربعين.

كيف انتهى المطاف بابن القس اللوثري، الذي تدرب على فقه اللغة الكلاسيكية، على حافة الجنون هذه؟ قرأ المقطع على أنه تحذير غريب من استيلاء النازيين على فكره في المستقبل- على الرغم من عدم وجود طريقة لمعرفة نوع الأزمة التي يقصدها بالضبط. Ungeheuer كلمة غامضة، تحوم بين الوحشي والهائل. ترجمها على مصباح على أنها “رهيب”، الأمر الذي يزيل الكثير من التشاؤم. ها هي صعوبة نيتشه: عندما تتعمق في كلمة ما، تنفتح هاوية من التفاسير.
يفتقر “أنا عبوة ديناميت!” للبعد الفلسفي كما في سير أخرى أهم، لكن سو راوية أنيقة وأصيلة. بدأت بحدث محوري في حياة نيتشه: تقديمه، عام 1868، إلى فاغنر، الشخصية الثقافية الألمانية الأكثر أهمية في ذلك الوقت. عندما أكمل فاجنر دورته الأوبرالية “The Ring of the Nibelung” عمل نيتشه كداعية لعبقرية فاغنر. لاحقًا أعلن استقلاله الفكري عن فاغنر أولاً بانتقادات مشفرة ثم بانتقادات مباشرة. غالبًا ما يتم تشويه روايات هذه العلاقة المعقدة للغاية بسبب التحيز من جانب أو آخر. يميل كل من أتباع نيتشه وفاجنر إلى تفريغ المشاكل الأيديولوجية على المعسكر المنافس. تستسلم بريدو لهذا الإغراء، وتصر على أن أي حديث لنيتشه عن تفوق “الوحوش الأشقر” ليس له دلالة عنصرية حديثة، وتصور شخصية فاجنر: سيغفريد، كبطل آري “يقود إلى خلاص العالم”.
فشلت صورة بريدو لعلاقة فاجنر-نيتشه في تفسير شدة الصلة أو صدمة الانفصال. في وقت مبكر، كان نيتشه مفتونًا بشكل ميؤوس منه بموسيقى فاغنر وشخصيته. ووصف الصداقة بأنها “علاقة حبه الوحيدة”. كما هو الحال مع العديد من الافتتان، كانت توقعات نيتشه مبالغًا فيها بشكل كبير. وأعرب عن أمله في أن “الخاتم” سيعيد إحياء الألق الثقافي لليونان القديمة، حيث يدمج جمال أبولون ووحشية ديونيزي. لقد تصور جمهوراً من الجماليات النخبوية الذين سيحملون رسالة متغيرة إلى العالم الخارجي. كان فاجنر أيضًا يبجل الثقافة اليونانية، لكنه كان في الأساس رجل مسرح، وصمم مثله العليا وفقًا لواقع المسرح. في مهرجان بايرويت الأول، عام 1876، كان نيتشه منزعجًا لاكتشاف أن العمل المسرحي القابل للنجاة في عالم الأعمال يتطلب رعاية الأثرياء والرضوخ للموضة.
تقدم الفروق الشخصية بين الرجلين حكايات مسلية. قام نيتشه بمحاولات متفرقة للتأليف الموسيقي، تسببت إحداها في جعل فاجنر يضحك. كما اقترح فاغنر لطبيب نيتشه أن مشكلات الأخير الطبية كانت نتيجة للاستمناء المفرط. لكن الخلافات عمقت كثيرًا، وكشفت عن شقاق بين الأيديولوجيات والعصور. جسد فاغنر القرن التاسع عشر بكل عظمته وأوهامه. بينما نيتشه هو حامل الشعلة الديناميكي والمدمر للقرن العشرين.
نيتشه الأمريكي
يلقي كتاب نيشته الأمريكي، لجينيفر راتنر روزينهاغ، الضوء على علاقة أبوية ثانية لنيتشه، في هذه الحالة رالف والدو إمرسون، الذي كان له تأثير مبكر ومستمر على نيتشه.
من جملة إمرسون: “لقد أتى الرجال ليتكلموا … كما لو كان الله ميتًا” – اسلتهم نيتشه جملته الشهيرة وجعلها تعجبًا مدويًا في فم رجل مجنون في كتابه “العلم المرح”. وعلى هامش مقال إيمرسون “القوانين الروحية”، كتب نيتشه عبارة “Ecce Homo”، والتي أصبحت عنوان سيرته الذاتية. في قسم مهمل من “هذا هو الإنسان” يصف نيتشه إيمرسون بأنه “صديق جيد” و “حالة فريدة”… فريدة من نوعها ضمن آلهة نيتشه الفكرية، كما تشرح جينفر، لأنه الوحيد الذي لم يقتله نيتشه.
يصف كتاب “نيتشه الأمريكي” نفسه بأنه تاريخ رحيب للاستقبال الأمريكي لفلسفة فريدريك نيتشه. ولكن بينما تأخذنا عبر قرن من القراءات العدائية والمرحبة على حد سواء، تروي جينيفر أيضًا قصة أمريكا التي لا تستطيع إلا أن ترى نفسها من خلال عيون الأوروبيين.
وهذا الشغف الأمريكي بنيتشه هو مفارقة، لأن نيتشه نفسه يأسف على التأليه الأمريكي لأوروبا- حتى في عزيزه إيمرسون، الذي أخطأ في رضاعته للكثير من “حليب” الفلسفة الألمانية. تمنى نيتشه أن يكون إيمرسون بدلاً من ذلك “أمريكيًا أكثر قليلاً”.
لا تزال فلسفة نيتشه تتغلغل في المشهد الثقافي الغربي اليوم، ويمكن العثور على أعماله على جانبي الحرب الثقافية الأمريكية المستعرة. ألهمت جدالات نيتشه ضد الحقائق الموضوعية جيلًا من مفكري ما بعد الحداثة مثل ميشيل فوكو وجوديث بتلر لتفكيك معتقداتنا الحديثة وفضح العنصرية المتأصلة والتمييز على أساس الجنس. في الوقت نفسه مع ذلك، فإن كتاباته الأكثر استفزازًا حول النضال وزيادة سلطة الفرد قد استند إليها القوميون الإثنيون لإثبات أجندتهم السياسية الخاصة، والذين ربما يأخذون استعارة نيتشه عن “الفلسفة بمطرقة” بشكل حرفي أكثر من اللازم.
في ثقافة البوب الأمريكية، يبدو أن أفكار نيتشه تعود إلى حد ما بموضوعات معينة نظرًا لتركيز الولايات المتحدة على الفردية، وتزايد عدد السكان العلمانيين، والقلق الحديث حول ضمان حياة ذات معنى. ونجد أن أحد الموضوعات الرائجة اليوم في المسلسلات والأفلام الأمريكية هو التعامل مع عدم معنى الحياة واللامبالاة التي لا يمكن التغلب عليها في الكون. بالنسبة لنيتشه، تولد هذه النظرة مسألتين: إما عدم القدرة العبودية على مواجهة هذا الشرط الوجودي، والتمسك بدلاً من ذلك بوسائل الراحة المادية التي لا معنى لها والقصص الدينية، أو إدراك أننا بدون الرب، أسياد حياتنا وعلينا أن نخلق معنى لأنفسنا.
توصيتنا: أو ما هي أفضل سيرة لنيتشه؟
الكمية لا تعني النوعية بالتأكيد. ورغم هذه السير المتعددة المتوفرة بالعربية، إلا أن أفضل سيرة لنيتشه لم تُترجم بعد. خيارات الناشرين العرب غريبة حقًا، لعل الاختيار يقع بناءً على جاذبية العنوان وقابليته للبيع، مثل “عشيقات نيتشه” (والذي يستخدم صورة لنيتشه مع والدته على الغلاف!).
كتاب Nietzsche: Philosopher, Psychologist, Antichrist by Walter Kaufmann هو بالتأكيد العمل الكلاسيكي المعياري الذي تقاس به جميع الكتب الحديثة عن نيتشه. اعترض العديد من العلماء في نصف القرن الماضي على بعض تفسيرات كوفمان، لكن الكتاب يُصنف كواحد من أكثر السير التي كتبت عن أي مفكر تأثيرًا.
في السيرة الأحدث: Nietzsche: A Philosophical Biography by Rüdiger Safranski يعيد سافرانسكي، أحد أهم علماء نيتشه، خلق حياة نيتشه المضطربة بينما يقوم في نفس الوقت بتقييم الآثار الفلسفية لأخلاقه ودينه وفنه (أمرٌ افتقدناه في السير المترجمة للعربية وعُرضت هنا). تقدم هذه السيرة صورة رائعة ومتعددة الأوجه لشخصية نيتشه.
بعد ذلك تأتي سيرة سالومي، ليس لأنها شاملة أو متفردة ولكن لأنها تطلعنا على نظرة شخصية مقربة من نيتشه، تفاعلت معه لحمًا ودمًا وليس فقط عبر الكتب، وفي المقابل أحبها نيتشه وقدرها.
ثم “أنا عبوة ديناميت” المروية بطريقة جذابة وسهلة، وإن كانت تفتقد للعمق الفلسفي.
سيرة بلو ” تشكل فريدريك نيتشه” مناسبة أكثر للمهووسين بنيتشه وأصابهم الفضول حول بداية حياته بعد أن تعرفوا على سنواته المتأخرة بشكل جيد.
أما نيتشه الأمريكي فهو مناسب صراحةً، كعنوانه، للقارئ الأمريكي أكثر من العربي، أو للباحث المهتم بالمؤثرات المتنوعة التي شكلت نيتشه، وأثره نفسه على الثقافة الأمريكية. قد يبدو هنا كتاب “نيتشه والإسلام” لروي جاكسون أكثر ذي صلة بالقارئ العربي.
كتب في هذه المقالة:
تشكل فريدريك نيتشه، دانيال بلو، ترجمة محمد الفشتكي. صدر عن دار الرافدين.
نيتشه: سيرة فكرية (في الأصل Friedrich Nietzsche in seinen Werken)، لو سالومي، ترجمة هناء خليف غني. صدر عن دار الرافدين ومنشورات تكوين.
أنا عبوة ديناميت، سو بريدو، ترجمة أحمد عزيز سامي و سارة أزهر الجوهر. صدر عن نابو للنشر والتوزيع.
نيتشه الأمريكي، جينفر راتنر روزنهاغن، ترجمة حنين يعكوب. صدر عن بغدادي.