التصنيفات
روايات

ابن شكسبير المفقود

عن رواية هامنت لماغي أوفاريل

لو أن رواية هامنت Hamnet للكاتبة Maggie O’Farrell قصة حب فقط عن فتاة من العامة ومعلم اللاتينية، لكانت مقنعة بما يكفي لجذب انتباه القارئ. ولكن فوق ذلك، عندما يتبين أن المعلم هو وليام شكسبير والفتاة هي زوجته وتتشابك القصص لتخبرنا بعمق عن الفقد والأسى، تصبح رواية تاريخية رائعة متشبعة بالأجواء الآسرة للقرن السادس عشر.

مع القليل من المعلومات المتوفرة عن الحياة الشخصية للكاتب المسرحي الشهير وأقل من ذلك حتى عن ابنه الوحيد، تعتمد أوفاريل على التكهنات والترابط مع عالم اليوم لبناء الأحداث حول حياة الشاعر المشهور وعائلته وتحويلها إلى سرد مذهل. تعيد بناء حياة وزمن شكسبير وزوجته وأطفاله، وتجعل القصة خاصة بها.

توفي هامنت ابن ويليام شكسبير البالغ من العمر 11 عامًا في ستراتفورد عام 1596.  بعد أربع سنوات أو نحو ذلك، كتب شكسبير المسرحية التي يعتبرها الكثيرون أعظم أعماله، وأعطى بطل التراجيديا لفظًا مختلفًا من اسم ابنه المتوفى. بعد ما يقرب من أربعة قرون، كانت ماجي أوفاريل تدرس هاملت في المدرسة وتعلمت عن الصبي هامنت، الذي لم تكن حياته أكثر من مجرد حاشية سفلية في سيرة والده. نمت بذرة الفضول خلال 30 عامًا بعد ذلك لتصبح أروع رواياتها حتى الآن. إعادة تخيل موت هامنت والآثار التي تركها على عائلته لفترة طويلة بعد الحادثة المفجعة.

عنوان الرواية مضلل بعض الشيء، فعلى الرغم من أن الرواية تبدأ مع هامنت، إلا أن الشخصية المركزية والقلب النابض هي والدة الصبي، والتي تسميها المؤلفة ‘آغنس، وليس’آن؛ الاسم المتعارف به في سير شكسبير. اكتشف أوفاريل أن المرأة التي نعرفها باسم ‘آن هاثاواي كانت تسمى ‘آغنيس في وصية والدها.  في أوائل العصر الحديث، كان من الممكن نطق الاسم بشكل مشابه لـ Agnès الفرنسية، أي بشكل مختلف عن كيفية كتابته، ومع ذلك حرف غ شبه الخفي. في مشهد رائع في الرواية، عندما التقيا للمرة الأولى، يخطأ شكسبير في سماع اسمها على أنه “آن”. هذه القصة حول اسمها في الكتاب توضح الطبيعة الغامضة لهوية زوجة شكسبير، وتوضح أهمية الأسماء في هذا الكتاب، فبالإضافة لاسم الزوجة، عندما ترى آغنيس في نهاية المطاف تحوير اسم ابنها على إعلان مسرحي في لندن، تشعر أنه قد سُرق منها للمرة الثانية.  في هذه الأثناء، فإن الشخصية الأكثر شهرة في الرواية لا يذكر اسمها؛ شكسبير هو “الزوج”، “الأب”، “معلم اللاتينية”. كما يُسمح له بالقليل جدًا من الكلام المباشر. هذا الإغفال المتعمد يحرر السرد من أعباء الارتباط التي يحملها اسم الشاعر الشهير، وكأن المؤلفة تعطي فرصة لإخبار قصة عائلته التي همشتها سيرة شكسبير، ولا تذكر الشاعر الذي علا اسمه في كل مكان إلا هنا. 

كل هذا له تأثير في تركيز الانتباه على الحياة المنزلية اليومية لهذه العائلة، والتي يمكن أن تكون أي عائلة عادية. في الواقع، في نطاق بلدتها الصغيرة، كانت أغنيس هي المشهورة وليس شكسبير، وعرفت في مجتمعها على أنها غير تقليدية، ونشطة، وتعود إلى العلاقة الأزلية بين البشر والطبيعة في عملها. وهكذا ينظر إليها جيرانها بمزيج من الحذر والرهبة وكأنها مخلوق من الأساطير الغابرة.

عندما أراد معلم اللاتينية الشاب تدريس إخوتها غير الأشقاء، شاهدها من نافذة غرفة المدرسة تخرج من الغابة مع صقر على ساعدها. اعتقد أنها صبي لا فتاة.  تتمثل مهارة أوفارل العظيمة في التعامل مع موضوعات “شكسبيرية” بوضوح، مثل هذا النوع من عدم الوضوح بين الجنسين أو التقارب بين التوائمين الصبي والفتاة.  يلعب هامنت وشقيقته التوأم جوديث خدعة على الناس حيث “يتبادلان الأماكن والملابس، مما يدفع الناس إلى الاعتقاد بأن كل منهما هو الآخر”.

اقتباس من رواية هامنت - متة ريفيو

تتأمل الرواية أيضًا بشكل رائع في الأمومة بكل حبها وفرحها وأحزانها، وقوة الفن المعجزة في شفاء القلب الجريح. وكذلك يحضر الوباء بقوة في العمل؛ رغم أنه ليس موضوع رئيسي لها. منذ وقت ليس ببعيد، كانت كلمة “طاعون” تبدو بلا ريب جزأ من قصص تاريخية غابرة في القدم. ولكن بسبب كوفيد-19 وطرق التعامل مع الوباء والحجر عاد هذا المصطلح للحياة المعاصرة، وصارت التفاصيل حول انتشار المرض، وخوف الناس، ورعب فقد الأحبة وثيقة الصلة بمواطني القرن الواحد والعشرين بشكل مخيف.

أسلوب كتابة أوفارل في هامنت من نوع السهل الممتنع، فصيح جدًا ولكن غير متكلف، ويشبه الحلم في سلاسته. وعلى الرغم من أنه ليس غارقًا في لغة القرن السادس عشر، إلا أنه دقيق في خلق عالم تاريخي يبدو ملموسًا في ذات الوقت. أسلوب كتابة أوفارل أشبه بلوحات فيرمير، فعندما تصف جمع الغسيل، والأواني والديكور الداخلي لمنزل شكسبير نشعر بحيوية المنزل الإنكليزي كما عندما نشم ونسمع صوت الأعمال المنزلية في أعمال فيرمير. ضاع جزأ كبير للأسف من هذه الفصاحة اللغوية في الترجمة العربية، ورغم أنها دقيقة للمعنى إلا أنها لم تنقل ذات الإحساس بدقة دائمًا؛ ربما لصعوبة هذا المسعى مع كل ما يتعلق بشكسبير، وربما نجم عن تسرع في ترجمة العمل.

هامنت دليل على أن هناك دائمًا قصصًا جديدة تروى حتى عن الشخصيات التاريخية الأكثر شهرة. وأن المواضيع القديمة مثل الوباء والفقد والأمومة ذات صلة بنا اليوم، كما أبدًا، رغم كل التطور والطريق الذي قطعناه.


تقييمنا: ننصح به

التصنيف: 4.5 من أصل 5.

كتبتها: سابين عيسى

الكتاب في هذه المراجعة: Hamnet, by Maggie O’Farrell صدر بالعربية عن دار أثر وبترجمة زوينة آل تويه