التصنيفات
فلسفة

شوبنهاور كان محقًا حول الكتابة الأكاديمية

وهذا الكتاب هو الدليل

قراءة هذا الكتاب من أكثر الأمور إرباكًا. ليس واضحًا، بدأ بالعنوان، ما المراد منه؛ هل هو كتاب وجودي عن الكون وماهية الوجود أم عن النصوص الفلسفية. ثم يحاول بشكل مطول في الجزء الأول تعريف القراءة وتحديد أنواعها، وينتقل من سؤال إلى ثان، فثالث، وعاشر دون أن يجيب على أولها. لا بشكل استقصائي كما يفعل أفلاطون في محاوراته، ولا كبحث عن اليقين كما يفعل ديكارت، ولكن بشكل مزعج وسفسطائي لا يفهم مغزاه.

وتغلب السفسطة على مجمل سرد هذا الكتاب، من عنوانه الذي لا تضح فيه رابطة الكينونة الناقصة بقراءة الفلسفة، إلى محاولة تصنيف القراءة بشكل طبقي وكأنه للتباهي بثقافة ومؤهلات الكاتب.

في هذه اللخبطة أقرأ معلومات الناشر، فأفهم أنه ضمن مشروع لنشر ثقافة قراءة الفلسفة. وهو مشروعٌ سامٍ ولا بد. لبدأ هذه المهمة يعين الناشر كاتبًا ليطرح، على ما يبدو، مقدمة عن قراءة الفلسفة وأهميتها. أقرأ صفحة تعريف المؤلف لأجد أنه أستاذ أكاديمي في الفلسفة. تبرر هذه الحقيقة أسلوب الكتابة النخبوية التي تعتمد على الاقتباس بشدة، ولطالما انتقدها شوبنهاور بعصبية. وتطرح أيضًا الكثير من علامات التعجب في القسم التالي.

في هذا القسم، يحاول المؤلف التعريف بالفلسفة، ويذكر أن الفلاسفة أنفسهم اختلفوا في تعريفهم لها، ويورد تبعًا لذلك تعريفات عدد منهم. لكن التعريفات التي يوردها لم يقلها أحد منهم، وتشبه قائمة مأخوذة من ملخص سيء عن مادة الفلسفة للمرحلة الإعدادية. وفيما لا يتوانى المؤلف عن ملأ الكتاب بالاقتباسات والمراجع، تختفي التعزية التي توضح لنا مصدر هذه التعريفات التي ينسبها للفلاسفة، سوى عن مصادر ثانوية، ومن الغريب حقًا أن أستاذ في الفلسفة لم يلاحظ أن هذه التعاريف خاطئة ولا يمكن أن تصدر عمن يذكرهم.

يقول أن أفلاطون عرف الفلسفة بأنها: “علم الوجود الحق المفارق لعالم الظواهر”. وأفلاطون لم يعرف صراحة الفلسفة. ناهيك أن هذه الجملة -ووجب بأستاذ جامعي أن يدرك ذلك- توضح فلسفة أفلاطون، وبشكل أدق نظريته للمثل، وليس تعريفه للفلسفة. في الحقيقة، فإن ذكر ما يشبه التعريف يرد في كتابه الجمهورية عندما يقول: “من لديه ذائقة لكل صنوف المعرفة، ويشغله الفضول للتعلم، ولا يُسلم أبدًا، يمكن وصفه بحق بأنه فيلسوف”. ومن أعماله نفهم أن أفلاطون يرى الفلسفة كعملية البحث المستمر عن المعرفة- عمل المرء اليومي والتدريجي ليصبح أكثر معرفة وحكمة وصالح أخلاقيًا.

التعريف التالي عن أرسطو لم يرد أيضًا في أي من أعماله، ولكن يمكن أن نستشف من عمله أنه يرى الفلسفة كوسيلة لتطبيق المنطق على الملاحظات لفهم ألغاز العالم وتطوير حيواتنا. أما التعريف الوارد في كتاب الدكتور عبد الله بأن الفلسفة هي: “بحث عن الوجود بما هو موجود”، فهو غريب جدًا ولا أظنه يصدر عن فيلسوف؛ فكيف تبحث تحديدًا “عن” الوجود، هل هو ضائع فتبحث عنه؟ وما هو “الموجود”، هل المنطق موجود، أم المقصود التجربة، أم ماذا تحديدًا؟

هذا التعريف بالذات هو مثال جيد عن السفسطة في هذا الكتاب. رمي للكلمات الكبيرة المنمقة دون هدف أو معنى واضح. عدا عن ذلك، فإن لكل فيلسوف ورد ذكره رأي فيما هي الفلسفة يمكن أن يُستشف من طريقة تناوله لها. ولكن محاولة وضع تعريف لها ببضع كلمات على لسان هؤلاء الفلاسفة يحرف فكرهم تمامًا ويبعد القارئ عم أرادوه وما هي فلسفتهم بحق.

أحد الذين ترد أسماءهم في القائمة وعرفوا الفلسفة صراحة هما ديلوز وغوتاري. يرد تعريفهما بأن الفلسفة هي: “فن إبداع المفاهيم”. أما التعريف الوارد بالفعل في (ماهي الفلسفة؟) الصفحة 5 فهو: “الفلسفة هي النظام الذي يتضمن خلق المفاهيم”. قد يبدو الفرق هامشيًا ولكن بالنسبة للفلسفة ولشخصين دقيقين مثل ديلوز وغوتاري فوصف الفلسفة كفن شطط كبير. وحتى هنا، فإن اقتباس التعريف الصحيح مجتزأ لا يعطي القارئ تصورًا كاملاً عن مفهوم الفيلسوفين للفلسفة، والأهم حدودها.

لو صدرت هذه التعاريف أن أكاديمي أجنبي لأحدثت فضيحة أكاديمية مدوية، وطرحت تساؤلات، وربما تحقيقات، حول المؤهلات والاعتمادات الجامعية.

هذا مثال عن الأخطاء المنهجية في هذا الكتاب، وأسلوب الكتابة النخبوي المليء بالاقتباسات والإحالات لكتب ثانوية، بدل أن يخبرنا الكاتب بأفكاره أو تحليلاته، أو حتى تجربته الخاصة مع القراءة والفلسفة والتي يبدو متحمسًا لها بعاطفة صادقة في المقدمة. وإن كان هدف المشروع الترويج للقراءة عن الفلسفة، فإن ما أخشاه، أن الكتاب يبعد القارئ عنها بدلاً من أن يجذبه إليها.

هنالك العشرات من الكتب التي تتأمل وتحلل القراءة، مثل كتب ألبيرتو مانغويل وإليف بوتمان وآن فيدمان، والكثير من الكتب التي تبسط وتشرح ماهي الفلسفة مثل كتب آلان دو بوتون، وجوليان باغيني، وجميع هذه الكتب واضحة وجذابة، وخالية من الإرباك- على عكس هذا الكتاب.


تقييمنا: كان يمكن أن يكون أفضل. ابدأ من هنا إن كنت تبحث عن مدخل للفلسفة

التصنيف: 1 من أصل 5.

كتبها: رافاييل لايساندر

الكتاب في هذه المراجعة: كينونة ناقصة. أحد عشر سؤالاً في الفلسفة لعبد الله البريدي. صدر عن دار أدب