التصنيفات
روايات

لو أن مصريًا لا يستطيع التحدث بالإنجليزية

عن رواية نور نجا

نادرة هي الكتب التي يمكن أن تسمى تجريبية حقًا؛ بالمعنى الفني لا الهاوي. لكن أول رواية للشاعرة والكاتبة الإسكندرانية نور نجا هي واحدة من هذه القلة. تبدأ رواية نور الفلسفية والاجتماعية ” لو أن مصريًا لا يستطيع التحدث بالإنجليزية” بلقاء لطيف رومنسي، ثم تنطلق لتغطي تداعيات الربيع العربي، والفروق الثقافية بين الشعوب، وحاجز اللغة.

التجريبية في رواية النجا هي في الأساس تجريبية هيكلية. هناك ثلاثة أجزاء. يُفصِّل الجزء الأول والأطول قصة رومانسية في القاهرة محكوم عليها بالفشل بين امرأة مصرية أمريكية لم تذكر اسمها وصلت من نيويورك بحثًا عن وطن لم تعرفه من قبل، ورجل مصري فقير لم يذكر اسمه أيضًا ترك وراءه ماضٍ مؤلم في قرية شبراخيت. تدور أحداث الفصل عام 2017، بعد ست سنوات من الربيع العربي، وتلاشي حلم “ولادة نظام جديد” في مصر. “في مرحلة ما بعد مجزرة رابعة عام 2013″، صرح الفتى من شبراخيت (كما تعرف عنه الكاتبة طوال القصة)، “بعد أزمة السكر وتعويم الجنيه المصري في نوفمبر الماضي، بعد أن اتضح أنه لن يتم الإفراج عن الرجال الذين اختفوا من أسرتهم ليلاً بسبب تغريدات، حدث ما لا يمكن تصوره: بدأ الناس يتوقون إلى أيام حسني مبارك”.

يسرد هذا الجزء الأول من الرواية، فصول مختصرة من فقرة واحدة، يبدأ كل منها بسؤال يشبه اللغز (“إذا كانت المدينة تحاول بنشاط قتلك، فهل يجب أن تأخذ الأمر بشكل شخصي؟”)، وبالتناوب بين وجهات النظر من بين الشخصيتين عندما يلتقيان، يتعرفان على بعضهما البعض، ويصبحان مقربين، ويعيشان معًا في عزلة متزايدة عن محيطهما، وفي النهاية يتباعدان بعنف. إن السماح للشخصيات بالرواية جنبًا إلى جنب من وجهات نظرهم المنفصلة يسمح لـ Naga بالكشف تدريجيًا عن هوياتهم المتباينة وخلفياتهم وهمومهم، مما يمنحنا نظرة ثاقبة حول تطور وتدمير علاقتهم كما يفهمها شخصان من عالمين مختلفين تمامًا… ومع اقتراب الجزء الأول من الرواية من نهايته، من الواضح بشكل مؤلم أن ظروف بيئتهم التي ولدوا فيها، وحاجز اللغة، وامتيازات الجنسية الأمريكية، وما ينتج عن ذلك من شعور بالذنب والاستياء وسوء المعاملة يجعل من المستحيل إقامة اتصال دائم: أجد نفسي أقيس لأول مرة كم تبعد أمريكا عن القاهرة، ناهيك عن شبراخيت. كيف تشق غمار هذا المحيط؟”.

يوضح الجزء الثاني من الرواية تفاصيل تداعيات انفصال الثنائي. بعد أن شعرت بالارتياح لتحررها من عبء العلاقة، عادت المرأة المصرية الأمريكية إلى التحدث بلغتها الأم وإلى ما هو مألوف: “لفترة طويلة كنتُ تلك الفتاة الأخرى: ضعيفة، متقوقعة- أمريكية مفضوحة في لسانها العربي الثقيل، ومعاقبة على ذلك. لكن ليس بعد الآن”. بعد أن عادت بسهولة إلى امتيازها الطبقي، بدأت في مواعدة ويليام، وهو رجل بريطاني أبيض. لا تزال تعيش في شقتها الكبيرة المليئة بالضوء والمزودة بشرفات متعددة، وتقوم بتدريس اللغة الإنجليزية في المجلس الثقافي البريطاني بالقاهرة. في هذه الأثناء، يطارد الفتى من شبراخيت تحركاتها عن بعد، ويزيد الحزن على خسارته من إدمانه على الكوكايين. بعد سن خطة يائسة ومراوغة تعيده إلى عشيقته السابقة، تصيب فتى شبراخيت مأساة نتيجة الغيرة، وتنتهي بشكل مفاجئ أحداث الرواية.

تستمر الفصول القصيرة ذات المنظورات المتناوبة في هذا الجزء من القصة، لكن الألغاز تختفي؛ وتظهر الآن هوامش، أو “همسات مسرحية”، لتحديد بعض التعبيرات أو الإشارات التي يفترض أنها خاصة بالثقافة القاهرة أو الثقافة المصرية، تلك التي تركت بلا شرح أو توضيح في الجزء الأول من الرواية. ومع ذلك، فإن هذه الحواشي السفلية في الغالب غير دقيقة، بل أحيانًا سخيفة وسطحية (“على الرغم من جهودهم للاندماج، يمكن التعرف دائمًا على المخبرين الحكوميين في مصر من خلال الشوارب المرسومة التي تفرضها الدولة”)، وتبدأ باقتراح أن لعبة من نوع ما قائمة. ربما صممت للاستهزاء أو توضيح حدود قدرة أو رغبة القارئ الغربي الغافل على فهم ثقافة الشرق الأوسط بما يتجاوز الصور النمطية الغريبة والخيال الجنسي.

يأخذ الجزء الثالث والأخير من “لو أن مصريًا لا يستطيع التحدث بالإنجليزية” -الذي قولب على هيئة نص مسرحي كامل مع توجيهات المخرج- منعطفًا خياليًا. تعرض هنا قصة المرأة المصرية-الأمريكية والصبي من شبراخيت كمذكرات تناقش في صف للكتابة الإبداعية يديره مدرس ناطق باللغة الإنجليزية ويحضره سبعة طلاب، بما في ذلك مؤلفة المذكرات: نور. لقد أحضرت للنقد الجزء الثالث المقصود من مخطوطتها الذي يشرح بالتفصيل الآثار المعقدة لمواجهتها الأخيرة مع الشاب من شبراخيت. ومع ذلك، فإن جهودها لتقديم صورة دقيقة للظروف غير العادلة التي أحاطت بهذه المواجهة النهائية، المليئة بالآثار الثقافية والطبقية، قوبلت برفض من جميع زملائها في الفصل، والذين يسارعون، باستثناء واحد منهم، إلى إدانة الشاب من شبراخيت باعتباره “مدمنًا” و “مغتصب مصاب بالذهان”، يستحق مصيره. ويستنتجون: “لسنا بحاجة إلى الجزء الثالث”. “لا يتعلق الأمر بالقاهرة”.

لو ترجمت هذه الرواية إلى العربية، أعتقد أنها ستلاقي ردة فعل مماثلة عن أحقية سرد الأحداث. سيقال: ماذا تعرف امرأة ولدت في أمريكا، وترتب في دبي -تلك نور نجا- عن واقع المصري ومعاناته؟ كيف تختلف نور عن أي مستشرق يعتقد أن عيشه في مصر ومخالطته لشعبها لبضع سنوات يعطيه نظرة عميقة وتصور صادق عن كرب الحياة وهمومها ومشاقها؟

والحقيقة أن رواية نور هذه لا تخلو من بعد النمطيات والكليشيهات الغربية، لكن نور لا تدعي أنها مطلعة وتعرف كل شيء عن حياة المصري، بل إن سرديتها هي سردية المرأة المصرية-الأمريكية وارتباكها الثقافي كما بطلة قصتها تمامًا.

بغض النظر أن هوية الثقافية التي نصبح حساسين اتجاهاها فورًا ودائمًا في أسلوب نور التجريبي الأصيل ملهم، ومثير للاهتمام. قد لا يكون ناضجًا تمامًا كونه عملها الأول، وتظهر عليه معالم التعجل، لكن من العدل توقع الكثير من هذه الكاتبة الواعدة.

تقييمنا: ينصح بها

التصنيف: 3.5 من أصل 5.

أعدها: دريد الغزال

الكتاب في هذه المراجعة: If An Egyptian Cannot Speak English by Noor Naga