التصنيفات
روايات

ماذا تريد شهلا من هذه الرواية؟

عن رواية سماء قريبة من بيتنا

“سماء قريبة من بيتنا” رواية مشتتة ومربكة للكاتبة شهلا العجيلي. ليس من الواضح ما تريده الكاتبة من هذه الرواية، وتلاحق عدة مواضيع وثيمات بأسلوب تدفق الوعي. مع ذلك، لا تشبه هذه الرواية أي من روايات تدفق الوعي، ولا تشبه الأسلوب الانطباعي في كتابة القصص، حيث يهدف الكاتب لإعطاء صور متفرقة عن الحياة مع إهمال الحبكة أو عدم التركيز عليها. تبدو رواية “سماء قريبة من بيتنا” كأنها واحدة من هذه الروايات لكنها تختلف عنها بفارق أساسي وواضح، كما تمتاز لوحة لمونيه عن صورة فوتوغرافية. عندما يكتب الانطباعيون، كاثرين مانسفيلد مثلاً، فإنهم يقدمون لوحات منعزلة عن الحياة، ويبتعدون تمامًا عن الوعظ وإطلاق الأحكام- ما تفعله العجيلي تحديدًا. ولا تتوانى الكاتبة عن إعطاءنا دروسًا في التاريخ، ومواعظ في الحب، وحكم حول السياسة والأخلاق في كل فرصة. لا يتوقف هذا الوعظ في سرد الراوي ولكن يمتد أيضًا إلى الحوارات، فنقرأ باكرًا عندما تُعرف البطلة عن نفسها قائلة:

“جمان بدران، دكتورة في الأنثروبولوجيا الثقافية، سورية، مقيمة في عمان، وأعمل حاليًا مع مؤسسة تضامن الهولندية. لست منفصلة عن أحد، بل لم يسبق لي الزواج. لقد مررت بتجربة الفقد ذاتها قبل خمس سنوات. مؤلمة جدًا! لكن صدقني دكتور ناصر، ستنتقل هذه الفجيعة التي تراها الآن أمام عينيك إلى الداخل، إلى القلب، مخلفة نقطة سوداء حالكة، وعميقة، ولا يمكن لشيء أن يمحوها، وسيصير هذا السواد جزءًا لا يتجزأ من شخصيتك، ونظرتك، وحتى طريقة مشيتك، وبالطبع يمكن لك أن تداريه عن الجميع، ولكنه سيبقى علامة إلى أنك عشت، واختبرت، وتألمت”.

والآن، بالله عليكم، من يتكلم بهذه الطريقة في الحياة الواقعية؟ لو عرف أحدهم عن نفسه بهذه الطريقة، ألن يَنظر إليه الجميع باستغراب وامتعاض من التشدق؟ الغريب أن شهلا تلاحظ هذا الخطأ وتعلق تاليًا: “هنا أدركت نفسي قبل أن أتحول إلى واعظة”. لكنها في الحقيقة لم تدرك نفسها أبدًا؛ لا هنا ولا في أي من حوارات ناصر اللاحقة والتي تبدو جلها كخطب ملقاة على منبر حزبي.

ليس من الواضح ما تريده العجيلي من هذه الرواية تحديدًا وتحاول اللحاق بركب عدة موضوعات سائدة في فترة ما بعد 2010، فتتحدث تارة عن السرطان من جانب نسوي، وعن مخيمات اللجوء السوري، والثورة، وفترة الإخوان في سوريا، وماضي سوريا، والحركات الحقوقية العالمية، ولا يتوقف طموحها عند محاولة جعل الرواية رواية عشق وغرام مع كل ما سبق.

ليس واضحًا ما تريده الكاتبة بالفعل، لكن هنالك العديد من الأمور الجلية مع ذلك. الأكثر وضوحًا أن الرواية، المرشحة لجائزة البوكر العربية، مكتوبة للمسابقات الأدبية وليس للقارئ العادي، وبما أن السرد العادي بحبكة تقليدية لا ينال إعجاب المسابقات الأدبية، ولا يلفت انتباها أساسًا -خاصة البوكر العربية-، فضلت العجيلي استخدام الأسلوب التجريبي في الكتابة، محاولة تقليد مشاهير هذا الأسلوب أمثال سلمان رشدي. هنا يظهر أمر جلي متصل، هو انخراط شهلا العجيلي في النقد الأدبي الأكاديمي، وسعة اطلاعها عليه، وهي التي تحمل درجة الدكتوراه في الأدب العربي. رغم ذلك لم تكن بحاجة لإظهار هذه المعرفة في طريقة كتابتها، والمتعلم المقتدر بحق هو الذي يستخدم ما يعرفه بسلاسة شديدة دون أن يظهر ذلك.

تحاول الكاتبة مرارًا وتكرارًا أن تُظهر اطلاعها على الثقافة الشعبية الأمريكية، بدل الركون للشعر الجاهلي والمقامات والأندلسيات وما شابه. وكأنها تحاول إظهار أن دراستها للأدب العربي لم يمنعها من الاطلاع على الثقافة الأمريكية وأدبياتها. عقدة النقص هذه -ربما- جعلتها ترجع إلى كليشيهات الثقافة الشعبية الأمريكية ولم تأت بأي جديد لا من حيث المعلومة، ولا من حيث الطرح. تذهب هذه العقدة أبعد من ذلك عندما تستخدم مصطلحات أو علامات تجارية أمريكية لوصف الأشخاص، فيظن القارئ لوهلة أنه يطالع إحدى روايات نيكولاس سباركس المترجمة.

الأمر الآخر الجلي أن العجيلي متأثرة بشدة، ربما بلا قصد، بغادة السمان، بمعنى أنك عندما تقرأ الأجزاء المتعلقة بقصة حب البطلة مع ناصر تفقد الانتباه وتظن أن تقرأ أحد أعمال السمان المليئة بالشغف والشبق على الذكورية الشرقية التي تتحلى بثقافة وتحرر مفاجأ لعيون الكاتبة فقط.  

ومن الواضح أن شهلا تشعر بنوستالجيا قوية نحو حلب في الوقت الذي قضته في الجامعة. ويصعب في هذه المرحلة تميز الرواية عن مذكرات الكاتبة الشخصية. ضعف دائمًا نشير إليه في الرواية العربية عندما لا يستطيع الكاتب فصل نفسه عن عمله. تخصص شهلا العجيلي عشرات الصفحات لوصف المدينة وشوارعها، ودكاكينها، وأزقتها دون هدف جعلتني أنا، ابن حلب، أشعر بالدوار من كثرة الأوصاف. يزيد من هذا الدوار تشتت الرواية العام الذي أشرت إليه في البداية، فعندما تصف العزيزية أو تاريخ فندق بارون، ليس من الواضح ما علاقة هذا السرد بالعمل ككل، سوى أن الكاتبة تود ربما إظهار مقدراتها التعبيرية والإنشائية.

وهذا الأمر الأخير الواضح، وهو أن شهلا العجيلي متمكنة من الكتابة لكن ضرها قلة التخطيط، وفي الفن، حتى الأمور الأكثر عشوائية، يجب أن تكون منظمة بطريقة ما وإلا لن يتميز عن الحياة!

التصنيف: 2.5 من أصل 5.

تقييمنا: قراءة مسلية

كتبها: رافاييل لايساندر