التصنيفات
قصص قصيرة

كتاب بابل

قصة قصيرة لرافاييل لايساندر

تتطلب هذه القصة، للاستمتاع بها، معرفة واسعة في الأدب، وتحوي فوق ذلك على ما يقل عن 4 ألغاز. إن استطعت اكتشافها رسالنا على فيسبوك لنتعرف على محب للأدب ونتشارك الاهتمامات

يمكنك أن تخفي آثار جريمة قتل من أي مبنى، ولكن إزالة رائحة الجثة والدم أمر محال- خاصة إذا كان المكان مليئًا بالكتب والأوراق التي تتشرب الرائحة.

هذه الرائحة تحمل ذكريات ذلك اليوم قبل سنة واحدة بالتمام عندما وقعت الجريمة في هذا المكان ذاته. تذكر القيم على المكتبة كيف أن مسابقة أدبية كانت تشغل تفكيره في ذلك اليوم. دارت المسابقة حول كتابة قصة عن مقابلة الشخص الصحيح في الوقت الخطأ، أو العكس. لم يفكر الرجل بالمشاركة، لكن ما شغل تفكيره حقًا هو كيف يمكن أن يقع العكس؟ إذا كان الشخص خاطئًا ولكن الوقت صحيح فالأمر برمته صحيح! بدا له أن الزمن هو الذي يضع الأمور في نصابها؛ عندما يكون الوقت خطأ لا تنجح الأمور حتى لو كان الشخص مناسبًا، وبالعكس لو كان الوقت صحيحًا فذلك يعني أن الشخص صحيح؛ الزمن هو سيد التدبير والقاضي النهائي في مجمل الأمور.

كانت الشرطة تلاحقه منذ فترة، ولكنها لم تستطع وضع يدها على أي تهمة تودي به. ولكن مؤخرًا، بدا أنهم يترصدون الانقضاض عليه وعلى وشك إطباق مخالبهم على عنقه. بينما هو يمشي في الشارع ويسرح في هذه الأمور أحس بأن أحدهم يلاحقه.

لم يعد يستطيع العودة إلى منزله، لا بد أن تكون الشرطة هناك في انتظاره، وإن لم تكن هناك فإن اقتيادهم إلى جميع الأدلة سيكون في غاية الغباء من طرفه. راح يعصر مخه محاولًا معرفة ماذا يمكن أن يفعل وكيف يمكن أن يهرب، خاصة وأنه لا يحمل ما يكفي من النقود ولا يعرف أي مخرج.

في غمرة ضياعه، استغل الزحام ليُضيع ملاحقه أيًا كان، ودفع، لا إراديًا وبفعل غريزة البقاء فقط، باب محل قديم لا يظهر من واجهته شيء، ودخله.

استغرق بضع لحظات لتتعود عيناه على تباين الإضاءة في الخارج والظلام داخل المحل، ثم راح يتطلع حوله ليكتشف أي مكان هذا الذي دخله.

على عكس الواجهة الصغيرة المهملة للمتجر، كان المكان من الداخل شاسعًا. هنالك خزائن كتب في كل مكان، تخفي كبر قاعة المتجر لأنها منظمة بطريقة متداخلة كمتاهة عوض أن تصطف بشكل متوازٍ كما في أغلب متاجر الكتب. عدا عن الكتب، كان المتجر ممتلأ باللوحات الزيتية؛ ليست لوحات طبيعة ساكنة كما تجري العادة، ولا إعلانات لكتب تجارية، بل بورتريهات لرجال ونساء يحملون كتبًا. ما يقبض النفس في كل اللوحات أن الأشخاص فيها كان يحملون كتبهم ولكن ينظرون نحو المتفرج، كما لو أنه قاطعهم عن القراءة.

لوهلة ظن أن المتجر فارغ، ثم سمع صوتًا يأتي من الخلف. شق طريقه في متاهة خزائن الكتب ليرى رجلًا في نفس عمره يجلس منحنيًا على بعض الكتب ويبدو وكأنه غارق في شيء ما.

“أتعلم” قال صاحب المتجر وكأنه كان ينتظر دخول أحدهم، وأراد أن يشاركه همومه عنوة، أو أنه كان ينتظر مع صديقه الذي خرج لقضاء حاجة وعاد. “آمن كورت فانغوت أن دراسة القصص جزأ مهم من دراسة الإنسان مثل دراسة آثاره وتاريخه، لكنه رأى أن الحبكات المختلفة للقصة عبر التاريخ لا تعبر جيدًا عن الوضع البشري، فالمرء لا ينتقل من ظروف سيئة لمثالية كما في حكاية سندريلا، ولا من جيد لسيء كما في الدراما؛ لا يمكن تمثيل الحالة البشرية بمنحنيات وتقلبات بين الجيد والسيء، ولكن الأدق أن حيواتنا متمثلة في الأمرين معًا في كل الأوقات.

لطالما أحببت وجهة نظره، لكنني اليوم حقيقة في القاع تمامًا. لم أعش يومًا حياة يمكن القول عنها أنها رائعة، ومع ذلك، راح حظي الجيد يتداعى حتى وصلت اليوم إلى الحضيض.

لكنه كان محقًا أن الزمن وهم، ويمكن في ساعة واحد أن يرى المرء كل حياته، ويمر بلحظات ميلاده وموته مرات عديدة. عندما يعزم الشخص على رؤية الزمن كما يراه سكان كوكب ترالفامادور، فأنه يستطيع أن يقرأ فقرات حياته دفعة واحدة، منتجة صورة جميلة وعميقة- لا بداية ولا نهاية ولا تشويق، لا مواعظ وحكم ولا أسباب ونتائج. ما نراه صحيحًا أو خاطئًا مرتبط فقط بالزمن، إذا أزلنا الزمن من المعادلة، فلا شيء كما نعتقده.

لقد عشت حياتي سواء أأعجبتني أما لا. لا أحد يهمني ولا أحد يهتم لأمري، سوى كلبي كازاك، أسميته تيمنًا برواية “صفارات إنذار تايتن” لأنه كان شريكي في الرحلة. اليوم دعسته سيارة بكل بساطة. والآن، يمكن أن أختفي من على وجه الأرض ولن أترك أثرًا ولن يفتقدني أحد أبدًا”.

 عندما سمع الدخيل هذه الكلمات وقف شعر يديه. كان كما لو أن القدر قاده إلى المكان المناسب في الوقت المناسب. كان الرجل الجالس أمامه مكتئبًا حلاً لكل مشاكله؛ ليس لديه أقارب ولا معارف ولا أي أحد ليفتقد وجوده، وفي نفس عمره، وفوق ذلك فاقد الأمل من الحياة وكأنه ينتظر أحدًا ليخلصه منها. كل ما على الدخيل فعله هو أن يتخلص من صاحب المتجر ويسرق هويته… وهذا ما حصل.

بينما كان الجثة ملقاة على الأرض والدم يجري من قلب الرجل حيث غرز خنجر أثري، فتش الدخيل الجثة بحثًا عن هوية أو إثبات شخصي، حتى وجد بطاقة شخصية رفعها أمام الضوء، وقرأ: “جرجس آغا” قال الدخيل لنفسه “حسنًا! سيكون هذا اسمي إذا من الآن فصاعدًا…جرجس آغا”.

وبالفعل هذا ما حدث. أولاً، أخذ الجثة للخلف، حيث كانت شقة الرجل على ما يبدو، وبدأ بإخفاء جرجس ليظهر هو مكانه. لم يأخذ يخفي جرجس ويأخذ هويته فقط، بل راح يرتدي ملابسه، وأرخى شعره ولحيته مثله، وارتدى نظاراته. مرت سنة كاملة وهو يعمل في متجر الكتب هذا ولم يتعرفه أحد أو يتوجس وقوع شيء غير معتاد. ولم تستطع الشرطة إيجاده، ولم تشك حتى بأمره- هو نفسه بدأ بنسيان شخصيته القديمة والتأقلم مع جرجس آغا هذا.

فوق أن جرجس ومكتبته قد وفرا له مهربًا أنقذ حياته، أعجبته هذه الحياة الهادئة حيث لا يزعجه أحد، وأحب التواجد بين الكتب، حيث كان هو نفسه عاشقًا متحمسًا للأدب والفلسفة.

مضى عام كامل بالتمام إذًا على هذه الحال، وبينما هو غارق في تذكر الأمور الآنفة، انتبه لحدوث جلبة غير معتادة في المتجر الهادئ. فجأة كان هنالك رجلان ضخمان بعضلات بارزة تبدو واضحة حتى أسفل أطقم جورجيو آرماني الفاخرة، يقفان عند الباب كأنهما كلبا حراسة، وآذنا بدخول رجل أصغر منهما في الحجم لكنه أكبر عمرًا وأكثر هيبة رغم ذلك. دخل الرجل إلى منتصف المتجر، وقف أمام جرجس وجهًا لوجه، وامتلأ المتجر برائحة عطر فاخر ممزوج برائحة الدم، وكأن دخول الرجل عزز رائحة الجثة. بعد نظرة سريعة على المتجر لا تخلو من الاشمئزاز وعدم الانبهار، قال الرجل بهدوء لا يُخفي نبرة الطوارئ: “أنا هنا من أجل الكتاب”.

وقف جرجس باستعداد مستغربًا جدية الرجل ودخوله المباشر في صلب الموضوع رغم أنه لم يفهم شيئًا. “عفوًا، أي كتاب؟”. رد متلبكًا.

بدت على الرجل الآن نظرة أكثر قرفًا، وفارغة من الصبر تمامًا. “لست هنا لآخذه اليوم. ولكن جئت لأخطرك بتجهزيه. سآتي غدًا في نفس الموعد لاستلامه”. وخرج الرجل مع حرسه دون أن يقول أي كلمة أخرى أو يوضح المزيد. استغرق المشهد بكامله خمس دقائق فقط.

لم يستوعب جرجس ما جرى. لقد صدمه الأمر برمته كأنه أبله، فجرى إلى النافذة ليرى أين ذهب الرجل. وجده يقف على أمام سيارة فارهة، وينظر إلى المتجر وكأنه يخطط لهدمه في اليوم التالي. فتح له أحد الحرس الباب، ثم انطلقت السيارة كالريح مع واحدة أمامها، وأخرى خلفها.

عاد جرجس للمكتبة وراح يطوف في متاهة الكتب وهو يفكر بهوية زائره المفاجئ والمخيف، وبطلبه الأغرب، وما قد يكون قد عناه بالضبط.

“أي أمورٍ وأسرار يخفيها جرجس- ذلك الذي ظننته وحيدًا ومنعزلاً؟”.

لم يصل لنتيجة سوا أن هذا الأمر، وهكذا شخصيات لا يمكن أن يأتي من وراءها خير، بل فقط المصائب. وراح يلعن نفسه على حظه الذي يخرجه من ورطة ليوقعه في أخرى. عندما بدأ توتره ورعبه من أين يقبض عليه يخفان يظهر هذا الرجل ليدمر كل آماله.

 بعد أن دار حول نفسه عدة مرات وفرك يداه حتى تعرقتا، خطر له أن يترك كل شيء ويهرب مرة أخرى. في النهاية، لا شيء في هذا المكان يعني له أو يهمه أساسًا- كله مسروق بالصدفة وتحت الإطرار. وكما نجح في الهروب حتى الآن، لا شك أنه سينجح في المحاولة التالية.

أسرع نحو نافذة المتجر وألقى نظرة متفحصة على الشارع. كان يومًا ماطرًا والمارة قلة من الناس المجبرين على قضاء حوائجها في هذا الطقس، مع رتل من السيارات تصطف على جانبي الطريق. بعد أن مسح الشارع بأكمله بنظرات المتشكك التي أكسبها إياه ماضيه، اكتشف سيارة مصطفة على الطرف المقابل من الشارع، يجلس فيها اثنان من الواضح من مظهرهما وتصرفاتهما أنهما رجلا مباحث سرية يراقبان المتجر. تسائل إن كانوا هنا بسبب ماضيه، وأنهم اكتشفوا حقيقة تبديله لشخصيته، أم أنهم هنا بسبب زائره الأخير.

انتبه أيضًا لوجود سيارة أخرى تقف وراء السابقة وفيها اثنان آخران يراقبان المتجر وسيارة المباحث في نفس الوقت. هاذان الشخصان رجلي مافيا ولا شك. كانا يشبهان رجلي المباحث في كل تصرفاتهما، ولكن يمكنك أن تميز المباحث من المافيا بكل سهولة بأن أفراد المافيا يركبون سيارات فارهة أكثر.

كان وضعًا مقلقًا، ووجود السيارتين سويًا أمرٌ لا يُفسر. “اللعنة!” قال ضاربًا الزجاج “كم أنا ساذج لأظن أن شخصًا مثل الزائر سيتركني دون رقيب، خاصة إذا كان الموضوع مهمًا لدرجة أن يأتي لطلب تحضيره بنفسه عوضًا عن إرسال أحد موظفيه”.

بدا له أن الحل الوحيد الآن هو إيجاد الكتاب الذي تحدث عنه الرجل خلال الأربع وعشرين ساعة القادمة، لعله يأخذ الكتاب ويتركه في شأنه بعدها. هنالك الكثير من الكتب في هذا المتجر اللعين، لكن قدوم شخصية مهمة بنفسها لطلبه يعني أنه ليس كتابًا عاديًا- كل ما عليه فعله هو إيجاد هذه الجوهرة.

انطلق جرجس آغا يفتح الكتب واحدًا واحدًا لعله يجد كتابًا مختلفًا عن البقية، أو كتابًا يخفي شيئًا مهمًا في داخله. لكنها كانت كلها كتبًا عادية يمكن أن توجد في أي مكتبة، فيما عدا أن الغبار قد أنهكها هنا. بدأ رحلة البحث بتروٍ ودقة، وبعد انقضاء ساعات في البحث واستنشاق الغبار، راح يسعل ويرمي الكتب على الأرض بعصبية مخلوطة بالرعب من المصير الذي قد ينتظره إن لم يجد الكتاب.

ثم خطر له أنه ربما تكون هنالك إشارة للكتاب المنشود في إحدى لوحات البورتريه المعلقة، فأحضر سلمًا وراح يفحص الكتب التي تحملها شخصيات اللوحات واحدًا واحدًا.

وجد أحدهم يحمل كتاب الساعات لريلكه، وآخر يحمل كتاب النبوءات لنوستراداموس، ويشير حامله إلى نقطة غير ظاهرة أمامه، كما لو أنه يشير إلى مستقبل مجهول، والرعب يظلل معالم وجه. وشابة تحمل رواية “رحلة إلى عوالم أخرى: رومانس عن المستقبل” لجون جايكوب آستور. لم ينتبه لهذا الأمر طوال العام الذي قضاه هنا- بدا له أن جميع الشخصيات تحمل كتبًا عن الزمن، وكلها ترتسم تعابير الرعب على وجوها، وخاصة رجلٌ يحمل كتابًا معنون بـ “كتاب التفاصيل”- كانت اللوحة الصغيرة نفسها مليئة بالتفاصيل، والرعب الصامت في وجه موضوعها يرسل رعدة في جسد المشاهد.

مع ذلك لم يستطع إيجاد دليل أو إشارة إلى الكتاب المنشود، واستمر في سحب الكتب وإلقاءها على الأرض، فيما تحول المتجر إلى ما يشبه مقبرةً من فلم رعب- الكثير من الكتب على الأرض كنواصب القبور، وسحابة من الغبار تطفو على الأرضية لمستوا ركب جرجس الذي أحس أنه سينفجر من شدة التوتر. ولكن عندما سحب كتابًا ضخمًا هذه المرة، أحس كما لو أن أحد القبور ينفتح وشيء ما يسحبه للأسفل.

قفز متراجعًا وسقط على الأرض وهو يتنفس بصعوبة وتكاد عيناه تخرجان من محجرهما. انتظر حتى تحرك الغبار، ليشهد ظهور حفرة في الأرضية. اقترب على أطرافه الأربعة ببطء ليرى أن الكتاب الأخير الذي قد سحبه، على ما يبدو، قد فتح بابًا في أرضية المتجر لم يشعر بوجوده طوال العام الذي مكث فيه هنا. ويمتد من مدخل الباب درج عميق، لا يرى آخره. نظر جرجس إلى الكتاب الذي فتح هذا المخبأ فوجده قاموسًا… يا للمفارقة!

أحضر سكينًا من المطبخ، ثم أشعل الكشاف في هاتفه المحمول وبدأ نزول ذلك القبر.

أحس وهو يهبط على الدرج الحجري الدائري وكأنه ينزل حلقات جحيم دانتي. كانت رائحة الرطوبة توحي بأن المكان قبر فرعوني لم يفتح منذ عصور ما قبل الميلاد، وحجارة الدرج زلقة لدرجة انه كان يفقد توازنه ويسقط عدة مرات. عندما وصل نهاية الدرج أخيرًا وجد نفسه في مكان مهول لم يستطع رؤية حدوده، ولكن من سماع صدى قدميه أحسن بأن المكان لا نهائي. وجد زر إنارة أشعله وأطفأه عدة مرات حتى عمل في النهاية، واشتعلت مصابيح صفراء قديمة، بقي الكثير منها يرتجف، فيما انفجر بعضها كصوت مفرقعات تاركة رائحة احتراق كيميائي.

أظهر الضوء أرفف كتب أكبر وأكثر بكثير من التي كانت فوق- في الحقيقة، حتى مع إشعال الأضواء، لم تكن حدود هذا المكان تظهر لجرجس، فوقف هناك مشدوهًا.

“الآن نعرف أن الكتاب المنشود ليس فوق” قال لنفسه. “ولكن أين يمكن أن أجده هنا بحق الجحيم!”.

رغب هول حجم المكان، لم يوضح على الخزائن أو الممرات أي تصنيف أو دليل لمعرفة تصنيف الكتب ومواضعها. سار جرجس آغا بين الخزائن وهو يحاول اكتشاف ماهية هذه الكتب كلها. كان هنالك كتب بشتى اللغات؛ لغات لا يفهمها ولكن يعرفها، ولغات لم يعرف أنها موجودة قبل الآن. وكانت هنالك مصنفات من مختلف العصور والأزمنة؛ كتب بورق وأغلفة حديثة، وكتب في أغلفة جلدية، وبردى، وجلود أبقار، وحتى ألواح حجرية كتب عليها بالمسمارية وغيره. أرعب منظر إحداها جرجس لأنه توجس في نفسه أن تكون إحدى ألواح النبي موسى، فتراجع مرعوبًا.

سحب أحد الكتب من مكان آخر فوجده مكتوبًا بالروسية. استخدم كاميرا هاتفه لترجمة عنوان الكتاب، ففهم أنه أحد تسع مجلدات تحوي أعمال إسحاق بابل الكاملة. “ذلك أمر مثير للدهشة حقًا!” فكر جرجس. فمن المعتاد أن تملأ مؤلفات الكتاب الروس مثل تولستوي ودوستويفسكي عشرات المجلدات، لكن أعمال إسحاق بابل التي وصلت إلينا، مع مذكراته، تقع في مجلد واحد بالكثير. لقد صودرت مؤلفاته وأجبر على كتابة مذكرات غير صحيحة من معتقله، ولذلك أغلب ما نعرفه عنه أساطير وأقاويل. ومن المشهور أنه أخبر المحققين في السجن أنه مستعد للاعتراف بكل ما يريدون، وأضاف “فقط دعوني أكمل عملي”. لكنه لم يُمنح تلك الفرصة… حتى تاريخ وفاته الرسمي مزور، حيث كان قد أعدم قبل ذلك التاريخ بثلاثة أعوام. ما وصلنا من أعمال هو فقط مجموعتان من القصص القصيرة تحت عنوان: “الفرسان الحمر” و “قصص أوديسا”.  ولكن يبدو أن هذه المكتبة تحوي جميع أعماله الضائعة، بما في ذلك مذكراته الحقيقية كاملة.

تجول جرجس بين أرفف أخرى فوجد قسمًا كاملاً لكتب الجاحظ، وقد كان الجاحظ غزير الإنتاج وله حسب بعض المحققين زهاء الثلاثمئة مؤلف، لكن المغول قد رموا معظم كتبه في نهر الفرات يوم دخلوا بغداد فلم يصلنا من كتبه إلا بعضها. كانت هذه المكتبة مليئة بها.

وجد كتب جون شتاينبك الأولى التي من المفرض أن كلبه أكلها. ووجد ديوانًا يحوي أشعار أبي الطيب المتنبي الشخصية. على غير عادته، لا يمدح المتنبي في الشعر المجموع في هذا الديوان سلطانًا أو أميرًا، ولا يهجو منافسًا، وإنما قال الشعر متأملاً بينه وبين ذاته. فكر جرجس أن هذا الكتاب لا بد أن يكون أثمن كتاب شعر عربي أبدًا.

ورأي فيما رأى كتابًا يكشف هوية شكسبير الحقيقي ويحكي سيرته وأعماله الغير منشورة، وأعمالاً أدبية لسكان أمريكا الأصليين، ورأى كتابًا قديمًا يدعي عنوانه أنه الإنجيل كما أُوحي على عيسى بن مريم- لم يجرأ جرجس على لمسه لأنه بدا هشًا جدًا. ووجد كُتبًا في الرياضيات تدعي حل مشاكل هيلبرت كاملة، وحل معضلات تانيما الست وثلاثون. وكتبًا في الفيزياء عن الثقل الكمي، والثابت الكوني، ومجلدات عديدة تتحدث بكل تفصيل عن المادة المظلمة، ومهما مشى جرجس بين الكتب كان تظهر خزائن أخرى خلفها.

لم يكن للمكتبة أي ترتيب أو تنظيم واضح؛ يمكن أن تجد رواية “السيد ربلي الموهوب” لباترسا هايسميث بجانب ماكبث لشكسبير، والنسبية العامة والخاصة لأينشتاين بجانب “في بحث عن الزمن المفقود” و”الجبل السحري”، لكن وجد قسمًا وحيدًا منتظمًا في طرف لوحده، هو أغرب ما شاهده في هذه المكتبة حتى الآن. كان القسم الوحيد المعنون، وكتب عليه: “الكتب الغير مؤلفة”.

لم يفهم ذلك؛ إذًا من كتبها ووضعها في هذا القسم؟ أخرج أحدها، وفتح على الصفحة الأولى فوجد مكتوبًا: “هذا الكتاب حلم به ميخائيل بولغاكوف، ولكنه لم يجرؤ على كتابته على الورق”. فتح آخر وقرأ: “هذا الكتاب فكر فيه ليو تولستوي وهو على فراش الموت، ولكن لم يستطع أن يمليه، ويحوي خلاصة فكره المشتت طوال عمره”. وفي مقدمة مصنف ضخم قرأ: “هذا الكتاب ألفه إدريس إسماعيل بالكامل في عقله، لكنه لم يمتلك الورق في السجن لكتابته”. وآخر: “هذا الكتاب التاسع عشر، الذي فكر به غسان كنفاني قبل اغتياله ولم يتسنى له تدوينه”.

وقف جرجس آغا داخل كنز لا يقدر بثمن، ومع ذلك أحس بالقنوط وأنه وقع في مصيبة لا مخرج منها. كان أمله في العثور على الكتاب المنشود في الأعلى أمرًا معقولاً نظرًا لأنه كان فقط بحاجة لإيجاد كتاب مميز بين ما هو عادي، لكن هنا في الأسفل كان كل شيء بلا استثناء مميزًا وثمينًا، والكثيرون سيدفعون ثروات طائلة، أو حتى سيقتلون مقابل الحصول على بعض الكتب الموجودة هنا.

لم يجد آغا مكانًا يمكن أن يجلس فيه، فتناول كتاب “أشعار عاد وثمود”، جلس على الأرضية الحجرية للمكتبة اللانهائية، وأسند ظهر إلى إحدى الخزائن، وراح يقلب الكتاب العجيب، شاردًا في مصيره وما يجب أن يفعله ليخرج من هذا الموقف حتى غفي في مكانه.

كانت إحدى تلك القيلولات القصيرة في مدتها، ولكن عميقة لدرجة أن المرء يشعر أنه قد توقف عن الوجود لدهر، ثم بُعثت فيه الحياة من جديد. فتح عيناه كالمستيقظ من التخدير. تأمل موقعه مطولاً؛ كان يأمل أن يكون كل شيء حلمًا مزعجًا أو خيالاً جامحًا، ولكنه كان بالفعل في هذه المكتبة اللانهائية.

نسي الوقت وكم مضى عليه نائمًا، فنظر إلى ساعته في اضطراب؛ لقد بقي ساعتان فقط على موعد عودة الرجل لأخذ الكتاب. عندما قفز ليكمل بحثه الغير ناجع حتى الآن، لاحظ وجود كتاب بجانبه لم يحضره قبل أن يغفو.

تلفت حوله. هل يمكن أن يكون هنالك أحد هنا؟ هل تخفي خزائن الكتب اللانهائية هذه أمرًا غير الكتب؟ أم هنالك قيم أو حارس لهذه المكتبة يتوارى في ظلماتها؟

حمل الكتاب الذي كان الوحيد هنا من دون غبار عليه. وقرأ العنوان: “كتاب التفاصيل”. ذاك فقط ما كتب عليه؛ لا مؤلف ولا أي تفاصيل أخرى. لم يكن كتابًا ثقيلا يحوي الكثير في داخله، وكان جلديًا مغلقاً بحزام معدني خفيف. فتح الكتاب على منتصفه وقرأ تحت عنوان: “تفاصيل ظهور جنكيز خان”، أدق التفاصيل التي لم يروها التاريخ عن كيفية أنشأ راع للأغنام امبراطورية شاسعة وكيف سقطت أمامه امبراطوريات ودول عظيمة متمكنة. أمرٌ مثير للاهتمام، فنجكيز خان لم يكتب مذكرات ولم يهتم بأن يكتب أحد قصته كما بقية القادة والملوك. أما كتب التاريخ فتروي غزوات جنكيز خان، وكيف قتل ومن وقف في وجه، ومن انسحب، وأي مدن دمر، وبالتالي ليس هنالك توثيق للصعود المفاجئ والمقلق لهذا الرجل من عامة الناس إلى مدمر الأمم. هذا الكتاب، على العكس، يذكر أدق التفاصيل لكيفية حدوث كل ذلك.

رجع بالكتاب إلى بداياته فوجده يروي حملة نبوخذ نصر على القدس وأين ذهب بتابوت العهد، وما حصل لبابل وأين اختفت آثاراها بالتحديد. عام 500 قبل الميلاد، بدأ شخصٌ يدعى عي-يدن من سكان بابل الحفر على لوح حجري بالجملة التالية: “في السنة الثالثة من حكم نبونصر ملك بابل، اعتلى تيغلاث بلصر عرش آشور…”. بحلول نهاية اللوح، كان قد وصف ما يقرب من قرن من التاريخ المضطرب المشترك بين بابل وآشور وعيلام. واصل قصته على لوح حجري آخر، ربما وصل حتى إلى وقته الخاص، لكن اللوح الأول فقط هو الذي وصلنا اليوم. يُعرف هذا العمل باسم السجل البابلي. غالبًا ما يستخدم مؤرخو العصر الحديث السجل البابلي كمصدر مناسب للمعلومات عن تاريخ بابل، لكن من الواضح أن نص عي-يدن ليس سجلاً مفصلاً عما “حدث بالفعل”. يتلاعب اللوح بمسار الأحداث بطرق خفية. اللافت للنظر أنه يقلل من شأن الملك البابلي إلى مستوى حاكم غير كفء ويصف مسارًا عدوانيًا ومنتصرًا لعيلام.

يثير النص، كتفسير للماضي، أسئلة حول كتابة التاريخ في بابل في ظل الإمبراطورية الفارسية. لكن الكتاب الذي بين يدي جرجس يحكي القصة الكاملة التي لم يحكها لوح عي-دين.

في صفحات أخرى كان يروي التفاصيل المحيرة لبناء الأهرامات وكيفية نقل الصخور العملاقة من المقالع إلى مواقع البناء، والأدوات التي استخدمها المصريون القدماء لنحت الحجارة الصلبة، وحتى الأهداف الفعلية لبناء الأهرامات ومن يقف خلفها، وينقل القارئ عبر دقة التفاصيل إلى ذلك المكان والزمان كما لو كان معهم.

 كان الكتاب من الخارج خفيفًا وقليل المحتوى، ولكن كلما فتح جرجس آغا الصفحات، كان كما لو أن صفحات أخرى تظهر بينها لتملأ الفراغ التاريخي. هكذا خطر على باله أن الكتاب، على صغره، لا بد أنه يروي تاريخ البشرية كله بالتفصيل.

قلب الصفحات للأمام فوجدها تروي مع كل الحيثيات عملية اغتيال الرئيس الأمريكي لنكولن، وبعدها اغتيال كنيدي مع ذكر الفاعل في القضيتين، وذرائعه، بل وحتى أفكار القاتل واضطراباته الشخصية حتى لحظة تنفيذ العملية. كل السجلات والوثائق والأدلة التي أُرفقت بملفي القضيتين غير شاملة ودقيقة مثل هذا الكتاب.

فتح الكتاب على الصفحة الأولى لعله يعرف من ألفه، أو ما طبيعة هذا الكتاب تحديدًا، فوجد مقدمة مقتضبة تقول:

“يروي هذا الكتاب التفاصيل التي أسقطها المؤلفون والرواة من كل القصص. يجب ألا يقع بأيدي الأشرار، وإلا حملت البشرية جمعاء وزر ذلك”.

فقط لا غير.

سرح جرجس في هذا التعريف الواضح والمحير في نفس الوقت. أي ساحر أو شيطان يمكن أن يؤلف هكذا كتاب؟ ثم فكر في جزأ “كل القصص” وكم يمكن أن يكون ذلك حرفيًا. ضرب قلبه بصوت مسموع تردد بشكل مضخم في حجرات المكتبة الفسيحة. فتح الكتاب على آخر صفحة وبدأ يقرأ:

كانت الشرطة تلاحق المؤلف تغنوف تورك لأنه ألف كتابًا ينتقد فيه الوضع المتردي للفكر والثقافة في البلاد، وجادل بأن نهضة الأمة بحاجة لاهتمام بالفكر والمعرفة عوضًا عن هدر الأموال على المظاهر والمباني والمنشآت الترفيهية، فيما يُترك الشباب ليتمرغوا في الجهل. في البداية استُصغر تورك وعمله، لكنه وضع علمه في صيغة رواية لاقت شعبية منقطعة النظير، خاصة بين الشباب. حذروه مرارًا وتكرارًا بوجوب التراجع عن أفكاره ونكران ما قاله في الكتاب، لكنه زاد من وتيرة نقده، وشجعه على ذلك جمهور لا يفتأ يزداد اتساعًا. مع قدوم الوزير المتشدد الجديد، بدأ عصر الرعب، وانتهى زمن التسامح، صارت أيام تغنوف تورك وأيام أي مفكر مثله معدودة.

كان المؤلف يمشي في طريقه نحو المطبعة وهو يحمل مخطوطًا يعد أخطر من كل ما سبقه، عندما انتبه أن أحدهم يلاحقه. أحس أنهم سوف يغتالونه، أو سيخطفونه ومن ثم سيلقى مصيرًا أسوأ من القتل. عندها استغل الزحام وشجارًا جذب انتباه الجميع على الطرف الآخر من الشارع، ودخل متجرًا قديمًا للكتب يدعى “مكتبة بورخيس”.

كانت مكتبة شبه مهجورة، يغطي الغبار كل ما فيها في انعكاس واضح لاهتمامات الشعب. عندما تجول تغنوف داخل المتاهة، وجد رجلاً يبكي حاله فوق كومة من الكتب.

كان الرجل غارقًا في البؤس وجلد الذات؛ لا لأنه لم يكن لديه من يهتم بأمره وشعر بالوحدة كما تجرأ على القول، فتغنوف أيضًا ليس لديه أي أحد يهتم لأمره والمرأة الوحيدة التي أحبها وعنت له شيئًا هجرته بسبب ملاحقة الشرطة له، ومع ذلك ها هو يقاتل بكل قوته للبقاء حيًا، وسيفعل أمورًا بجثة إنسان آخر لم يعتقد يومًا أن في نفسه القوة على فعلها، ولكن إحساسه بأن لديه شيء ليحققه في هذه الحياة جعله يفعل ما لا يخطر على بال. أما صاحب المكتبة فكان غارقًا في الأسى بسبب ما اقترفته يداه.

منذ مدة، أتاه زعيم مافيا وقد سمع أساطيرًا وأقاويل عن كتاب سحري يروي التفاصيل الساقطة من كل القصص، من بزوغ التاريخ، وحتى قصة حامله. قيل له أن حيازة هذا الكتاب هو قوة لا تجابه.

أنكر البائع علمه بهذا الكتاب، لكن للمافيا أساليبهم في الإقناع. عندما لم يجدوا أقارب أو أحباء يهددون الرجل بإيذائهم، قلعوا أظافره واحدًا تلو الآخر، ثم قتلوا كلبه أمام ناظريه ليظهروا له مدى جديتهم. وفي النهاية هددوه بإحراق المكتبة وما فيها. أحس جرجس آغا ببرود شديد اتجاه كل شيء ولم يعد يطيق هذه الحياة، لا بسبب التعذيب الجسدي، بل لأنهم أخذو الأمر الوحيد الذي اهتم به.

 أخبرهم عن الكتاب وأحضره لرئيس العصابة. قرأ السفاح ليث شبرا باستغراب تفاصيل كل من يخونه في عصابته، ومخططات منافسيه، ونقاط قوتهم، ومكامن ضعفهم… دله على كل الطرق التي ستساعده أن يحقق ما يريد ويصبح وزيرًا.

أراد رئيس العصابة أن يأخذ الكتاب، لكن جرجس أخبره أنه إذا أخذ الكتاب الآن فسيزول سحره. عليه أن ينتظر عامًا كاملاً بعد أن يصبح وزيرًا ليستطيع أخذه وقراءة تفاصيل جديدة. كانت خدعة غرة من طرف جرجس، ولكنها نجحت.

لم يمانع رئيس العصابة، فلقد توصل إلى كل ما أراد معرفته، وإذا تحقق ما قاله الكتاب بالفعل فسيأتي بعد عام لأخذه- في النهاية، أين يمكن أن يفر جرجس المسكين من بين يديه؟ كان زعيم المافيا خبيرًا بالنفس البشرية، ويستطيع خصوصًا اكتشاف الشخصية الضعيفة. كان جرجس آغا أحدها، وعلم الزعيم أنه ليس من النوع الذي يقاوم.

بعد عدة أشهر أعلنت الأخبار أن زعيم المافيا قد أصبح وزيرًا. لقد ساعده الكتاب على أن يصل إلى مراده. وبعد توليه لمنصبٍ رسمي، لن يستطيع أحد أن يقف في وجهه. صارت الأمور كما السيارتان التي تنتظران تغنوف الآن أمام المكتبة- الشرطة والمافيا في يده.

جلس جرجس يبكي نادمًا على فعلته، وأنبه ضميره على استسلامه في لحظة حزن وقنوط. لقد وضع البلد كله في خطر في لحظة ضعف منه، وبعد عام من اليوم سيأتي الوزير ليأخذ الكتاب وستصبح مشاريعه أكثر شرًا وخطرًا بمساعدة الكتاب. لم يعد يحتمل ذنبه، فطعن قلبه الضعيف بخنجر، بينما وقف تغنوف يشاهد مصدومًا ما يحدث.

عندما قال جرجس آغا أن لا أحد يهتم لأمره، خطر لتغنوف تورك أن يأخذ مكانه ليتخلص من الورطة التي وقع فيها. كاد يغمى عليه من منظر الجثة والدماء وحده، ومن باب أولى ما فعله من انتحال شخصية رجل ميت، لكن لم يكن لديه مخرج آخر- كان يتمسك بالحياة والقدرة على إتمام رسالته بكل جوارحه.  

وبالفعل، عاد الوزير أو زعيم المافيا بعد عام تام، لكنه كان معتزًا جدًا بنفسه، ومنشغلاً جدًا بحيازة الكتاب لدرجة أنه لم ينتبه أن جرجس خلف اللحية والنظارات ليس هو نفسه. كان الوقت صحيحًا بالنسبة للوزير، لكن جرجس هو الرجل الخطأ.

كان دخول تغنوف تورك إلى المتجر في ذلك اليوم وذلك الوقت تحديدًا هو الوقت المناسب بالنسبة لتغنوف وبالنسبة للصالح العام- لأن تورك سينقذ البلد. هنا تذكر تغنوف المعضلة الفلسفية لتلك المسابقة، وكلمات جرجس آغا قبل أن يقتل نفسه. قد يكون شخصٌ ما مناسبًا في موقف ما وقد يكون غيره عكس ذلك، لكن كل شيء وكل شخص، في أبدية الزمن، هو في مكانه الصحيح دومًا- كما أن تغنوف هو الرجل الخاطئ بالنسبة للوزير، لكنه الرجل الصحيح والمناسب بالنسبة للصالح العام.

بقي الآن ساعة واحدة لعودة زعيم المافيا. لم يرى تغنوف تورك حياته كلها كما رآها جرجس، ولم يكن في قلبه شك أن الوزير، أو أيًا كان على شاكلته، يجب ألا تصل أياديهم لهذا الكتاب، ولا أن يعرفوا بوجود هذا المكان.

 وسوف ينجح بالفعل في منعه من ذلك.