التصنيفات
القراءة

الإنجليز وشايهم

عن الشاي في الأدب

عندما قرأت رواية حرب العوالم لهربرت ج. ويلز لأول مرة تفاجأت بمدى حداثتها ونظرتها العلمية السابقة للعصر الذي كتبت فيه عام 1897. رغم ذلك، كان أكثر أمر مفاجأ في قراءة الرواية أنه في خضم المعارك، وفي غمار حدث لم تشهده البشرية من قبل متمثلاً بنزول كائنات فضائية على الأرض، يجد البطل الوقت ليجلس مع زوجته ويشرب الشاي! تقول الرواية:

“لم يصل المدفع إلى ’تشوبهام لاستخدامه الميداني ضد الجسم الأول التابع للمريخيين إلا نحو الساعة الخامسة.

نحو الساعة السادسة من ذلك المساء وبينما كنت أحتسي الشاي مع زوجتي في المنزل الصيفي نتحدث في همة عن المعركة التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى منا، سمعت انفجارًا مكتومًا صادرًا من المرعى اندلعت بعده على الفور عاصفة من النيران. في أعقاب ذلك سمعنا صوت ارتطام عنيف كان قريبًا منا للغاية حتى إن الأرض اهتزت”.

حتى في روايات أجاثا كريستي عندما تكون هنالك جريمة وهلع واضطراب، يستمرون في شرب الشاي. في رواية ثم لم يبق أحد تحديدًا، عندما تبدأ جرائم القتل على الجزيرة المعزولة، يهلع الجميع ويضطربون، لكن الشاي يقدم في موعده.

وقد صرح هنري جيمس في افتتاحية رواية The Portrait of a Lady موضحًا قدسية هذه الفترة عن الإنجليز: “في ظل ظروف معينة، ساعات قليلة في الحياة أكثر عذوبة من الساعة المخصصة للطقس المعروف باسم شاي بعد الظهر. قد تصبح الفترة من الساعة الخامسة إلى الثامنة في مناسبات معينة أبدية؛ ولكن في هذه الحالة، لا يمكن أن تكون الفترة إلا متعة أبدية”.

قدمت كاثرين براغانزا الشاي إلى البلاط الإنجليزي في منتصف القرن السابع عشر، ومن حينها، ومن دون مزارع الشاي في الهند وسريلانكا، فإن الأدب الرومانسي والفيكتوري كما نعرفه لن يكون هو نفسه. من روايات تشارلز ديكنز إلى جين أوستن والأخوات برونتي، الشاي موجود في كل مكان. في وقت الشاي، يتبادل العشاق المحتملون نظرات الشوق؛ تخطب الأمهات البنات لأبنائهن؛ ويتبادل المتنافسون العروض التجارية، وحتى مخططات حل تحقيقات الجرائم، فالشاي كان المفضل عند شارلوك هولمز بعد الأفيون، وكثيرًا ما يحل جرائمه وكوب الشاي في يده. نقرأ في علامة الأربعة: “قال وهو يلتقِط كوب الشاي الذي أعددتُه له: الأمر ليس لغزًا كبيرًا؛ فالحقائق تُشير إلى تفسيرٍ واحد فقط”.

وهناك الكثير من الشاي في روايات أوستن، على سبيل المثال، لدرجة أن كيم ويلسون فكرت في تأليف كتاب عن هذا الموضوع. في قلب كل موقف اجتماعي تقريبًا في رواياتها يجد المرء الشاي. في “إيما” تجيب الآنسة بيتس على عرض القهوة: “لا قهوة، أشكرك، أنا لا أشرب القهوة أبدًا، القليل من الشاي إذا سمحت”. في رواية “كبرياء وتحامل”، ما هو التكريم الأعلى الذي يمكن أن يتخيله السيد كولينز لمنحه للسيدة كاثرين إليزابيث بينيت وأصدقائها؟ أن يشرب الشاي معهم طبعًا.

ولا يمكن أن نفكر في الشاي في الأدب الإنجليزي دون أن يتبادر إلى الذهن مغامرات أليس في بلاد العجائب للويس كارول وصانع القبعات الذي بالنسبة له الوقت “دائمًا وقت شرب الشاي”. وفي الحفلة التي تحضرها أليس يقول الأرنب بجدية بالغة: “اشربي المزيد من الشاي”.

“لم أشرب شيئًا أساسًا، لذا لا أستطيع شرب المزيد”. ردت أليس بانزعاج.

“تقصدين أنك لا تسطيعين الشرب أقل” قال صانع القبعات. “إذ من السهل جدًا شرب المزيد عوضًا لا شيء”.”.

هذا الكلام الذي لا معنى له هو محاكاة ساخرة رائعة للأحاديث الدارجة وقت الشاي. الجميع يتحدث، لكن لا أحد يستمع أو يفهم ما يقوله أي شخص آخر. يكشف كارول اللامعنى المتأصل في المجاملات واللباقات الاجتماعية التي نتبادلها كل يوم.

يسلط تشارلز ديكنز في “آمال عظيمة” الضوء على قضية اجتماعية أخرى عبر الشاي كوسيط. بناءً على أوامر الآنسة هافيشام، تزور إستيلا لندن وعندما تقابل بيب تطلب منه ببرود أن يحضر لها بعض الشاي، بينما يفكر بشكل بائس أنه يمكن أن يكون سعيدًا معها. بناءً على طلبه، يحضر النادل خلطة مركبة فاخرة، ثم يقول بيب: “غمرتها في الماء الساخن، وهكذا استخرجت لإستيلا من كل هذه المركبات كوبًا واحدًا مما لا أعرف ماهيته”.

يظهر لنا ديكنز هنا كيف تغير بيب عبر التناقض مع الصبي الذي قال بعد تناول الشاي مع مربيه في وقت سابق من الرواية: “كان من الرائع رؤية كم أصبحنا دافئين وهادئين بعد شرب الشاي”.

حتى أن الشاي وجد مكانًا في الخيال القوطي، عندما وضع روبرت لويس ستيفنسون جنبًا إلى جنب وظيفته الحضارية المفترضة -كرمز للطبقة الوسطى الصاعدة حديثًا- مع الجثة في نهاية الدكتور جيكل والسيد هايد.

“ظلا واقفين على العتبة قليلاً يحملقان داخل الغرفة.  فإذا بالمكتب ممتدًا أمام أعينهما في نور القنديل الهادئ: نار قوية تهسهس وتضطرم في المصطلى، وفوقه الإبريق يغني ترنيمة رقيقة، درجٌ أو اثنان مفتوحان، أوراق منضودة في أناقة على طاول العمل، وبالقرب من النار الأواني مجهزة لاحتساء الشاي؛ ولربما خطر للناظر أن يقول هي ذي أهدأ الغرف، ولولا ألق القوارير الملأى بالمواد الكيميائية لقلت أن هذه الغرفة هي أكثر الأماكن حميمية في لندن كلها.

وهنالك، في منتصف الغرفة تحديدًا، يرقد جثمان رجل منكمش للغاية ما يزال يتلوى”.

في هذه المرحلة، لا يعرف المتفرجون أن جيكل وهايد هما نفس الرجل، ولكن من الواضح أن الطاولة الموضوعة لتناول الشاي هي قشرة يختبئ تحتها الانحطاط في صميم النظام الاجتماعي.

لا يحضر الشاي في القصص والروايات فقط، ولكن أيضًا في قصيدة حب مأساوية لتي أس. إليوت. ويخبرنا سيدني سميث في رسالة مؤرخة بالعام 1807 عن انفجار جدال مروع في مدينة باث حول إذا ما كان من الأفضل استخدام السكر المطحون أو المكعبات مع الشاي.

فالأمر إذًا ليس مجرد مثقفين ينشرون كل صباح فيديو لكتاب وقهوة يرتفع بخارها تحت وقع أغاني فيروز، الأمر كما الشاي عند الإنجليز، والمتة عندنا، عن تلك الفترة التي نقتطعها من ضجيج الحياة، والعمل والمسؤوليات، والسعي وراء التحقيق، لنستمتع بهدوء البال والرضا وربما قراءة كتاب، ونجد فيها الأبدية.

كتبها: رافاييل لايساندر