التصنيفات
روايات

رواية أم كتاب تاريخي؟

عن أوراق شمعون المصري

إحدى النزعات التاريخية في الرواية العربية. ما يميزها عن بقية الاعمال من هذا النوع هو اختيار موضوع مميز لا يتمحور حول الفتوحات والممالك والشخصيات الإسلامية، وأسلوب الكاتب السلس والطبيعي في السرد.

فيما عدا ذلك لا تجري الرواية على أتم وجه. فالرواية، رغم أنها لا تتحدث عن شخصيات تاريخية إسلامية، إلا أنها تدور في فلك هذا التراث، والأحداث مروية من وجهة نظر عربية إسلامية بشكل حصري، أو ما يوافقها من مراجع يهودية. وبالتالي، يشعر القارئ وكأنه يقرأ قصة تقع في العصر الأموي أو العباسي وليس قصة بني إسرائيل بكل خصوصياتها. يزيد من هذا الشعور بالغربة عن السياق والبيئة الخاصة عدم تطويع السرد لإيصال الإحساس التاريخي الملائم.

لتوضيح النقطة أكثر يمكننا أن نقارن عمل الشاذلي برواية “كتب يعقوب” لأولغا توكارتشوك. يتناول الكتاب الأخير قصة جاكوب فرانك، وهو يهودي بولندي ادعى أنه المسيح. وتجري الأحداث في أجواء مشابهة قليلاً لأوراق شمعون، لكن أولغا تنقلنا كليًا إلى الأزمنة التي تروي عنها، بدأ من العنوان الفرعي الطويل لكتب يعقوب الذي يحاكي عناوين الكتب في تلك الفترة، بينما كان لرواية الشاذلي أن تُعنون بمخطوطات شمعون، أو برديات شمعون مثلاً لتلائم العمق التاريخ.

وتتابع أولغا هذه الدقة التاريخية في كل تفاصيل الرواية وحتى السرد نفسه؛ عندما تحدثنا عن منازل وحوانيت وعادات اليهود، أو طقوس القساوسة، أو أسواق المسلمين وروائح كل مكان وتصرفات كل شخصية، وطريقة تحدثها، نشعر أننا ننتقل من ثقافة إلى أخرى عبر سردها وأوصافها فقط، حتى قبل أن تذكر أي إشارة إلى المكان أو أسماء الأشخاص. على العكس من ذلك في رواية أوراق شمعون، يجعلنا الاستخدام العصري للغة ومصطلحاتها ننسى أنفسنا في كثير من الأحيان ونشعر أن الأحداث تقع اليوم وليس منذ آلاف السنين- وخاصة في حالة قصة الحب التي يبدو أنها مرغمة في القصة وليست جزءًا ضروريًا منها.

يقول الشاذلي على سبيل المثال: “خرج هارون ومعه المشايخ من خيمة الاجتماع”، فلفظ المشايخ هنا يعطي انطباع عربي/إسلامي بدلاً من يهودي. ويستهل الورقة التاسعة بـ: “مرت الساعات ثقيلة بطيئة”. قد لا يبدو أن استخدام هكذا مصطلح عصري شديد الأهمية، ولكن إذا أخذنا بالمقارنة رواية “اسم الوردة” لأمبرتو إيكو نجده يحدد الوقت دائمًا بصلوات الفجر والمغرب وهلم جر لإضفاء الشعور التاريخي حتى بمصطلحات اللغة نفسها.

 يزيد من أهمية الأمر أن “أوراق شمعون” مروية على لسان شمعون نفسه، فعندما يستخدم مصطلح لم يكن معروف لديه في ذلك الزمن، يبدو الأمر كما لو أن المؤلف يقع في زلة تكشفه يتحرك خلف الراوي.

إن استخدام اللغة المناسبة في السرد، وخاصة السرد التاريخي، يعطي إحساسًا بالجو العام أكثر من استخدام الوصف ذاته لتأدية المهمة- الأمر أشبه بزيارة منزل قديم عزيز عليك، ورغم كل ما فيه من تحف، أو رغم أنها قد تكون تغيرت، ما ينقلك إلى ذكريات معينة ويضعك في جو خاص هي الرائحة التي تشتمها ولا تراها.

الأمر الآخر الذي ميز عمل أولغا عن الشاذلي هو العمل على التوترات النفسية لشخصياتها، فيما تبدو رواية أوراق شمعون كقصة تاريخية تراثية- الأحداث مروية كما هي في المراجع مع بعض الحوارات فقط عوضًا عن قال زيد وقال فلان. مع أن قصة الشاذلي تحوي الكثير من المواقف التي كان من الممكن استغلالها لمناقشة الخوف من فرعون الظالم، أو الشكوك لدى العبرانيين، والقلق العابر للأزمنة عند شخصيات الرواية، وحتى إمكانية ربط أحداث مثل التيه والحاكم الدكتاتوري، مع واقعنا المعاصر كما فعلت أولغا مع المحرقة. وإلا من دون كل ذلك كيف تتميز الرواية عن أي كتاب تاريخي غير روائي؟

يركز الشاذلي على أن يكون دقيقًا تاريخيًا، حسب المراجع الإسلامية غالبًا، أكثر من تركيزه على الحبكة والتوترات بين الشخصيات، مما يجعل عمله أشبه بكتاب تاريخي ذو سرد سلسل من رواية أدبية.

كما أن أسلوب كتابة هذا العمل كمنشورات على مواقع التواصل، ونجاحها في جذب المتابعين، دفعه على ما يبدو لجمع تاريخ موحد وشامل لليهود قبل عيسى كما يعرفه العرب ولكن بشكل مشتت. هكذا يصبح الكتاب طويلاً ولكنه لا يعطي أي حدث تاريخي عمقًا وأحقيته من السرد- لو كان الكتاب رواية حقيقة لأفرِدت الستمئة صفحة لقصة التيه أو قصة العجل أو قصة الهروب من فرعون لوحدها.

 مع ذلك فإن أسلوب أسامة عبد الرؤوف الشاذلي السهل الجذل يعد بأنه يستطيع كتابة أعمال جذابة أكثر بعد عمله الأول هذا، لو أنه يستثمر المزيد من الوقت والجهد في البحث، ولا يرضخ لمتطلبات النشر التجاري وبالتالي يتسرع في إنتاج عمل ثاني ليلاحق الطلب.


تقييمنا: مؤلف واعد

التصنيف: 2.5 من أصل 5.

كتبها:

رافاييل لايساندر

العمل في هذه المراجعة: أوراق شمعون المصري، تأليف: أسامة عبد الرؤف الشاذلي، صدرت عن الرواق للنشر والتوزيع