“إنسان روسوم الآلي”، المسرحية التي عرضت لأول مرة في براغ عام 1921، مشهورة في تاريخ الخيال العلمي لمنحنا أول مثال على كلمة “روبوت”. ليست أول عمل مكتوب على الإطلاق يبرز بطلاً اصطناعيًا، ولكن جوزيف، شقيق ’كارل تشابك، هو مبتكر كلمة “روبوت”.
تبدأ كل قصص الروبوتات في الخيال العلمي تقريبًا برجل آلي الذي لا روح ولا حياة فيه، وتنتهي بنوع من الحرية أو الاعتراف بالروبوت. هذا هو المنحنى القياسي لقصص الروبوت. الآن، انظر من أين تأتي كلمة روبوت ودلالاتها. تشير كلمة الروبوت إلى طبقة الفلاحين في تشيكيا نهاية القرن التاسع عشر، ولم يكن هؤلاء الفلاحون أكثر من أقنان، أجبِروا على عيش حياة الكدح لصالح أصحاب الأراضي الإقطاعيين. عندما كان كارل تشابك في سن المراهقة، نظم هؤلاء الفلاحون التشيك أنفسهم في حزب سياسي زراعي وسيطروا على الفور على الانتخابات. في تصور ’تشابك، كان الإنسان الآلي عبدًا في طريقه إلى الحرية، ولا يزال هذا المفهوم يتردد في قصص الروبوتات اليوم.
هل هي دراما بائسة تهاجم العلم والتكنولوجيا إذن؟ إلى حد ما، ولكن الأمر أكثر من ذلك بكثير. تبدأ المسرحية ككوميديا مع الزائرة الطيبة السيدة هيلين جلوري، التي تصل جزيرة تُنتج فيها الروبوتات من مادة اصطناعية متطورة. تندهش لاكتشاف أن السكرتيرة البشرية هي في الحقيقة آلة، وتندهش بنفس القدر عندما يتحول مديرو المصنع إلى مخلوقات من لحم ودم بدلاً من روبوتات؛ ما يشير إلى أن شابيك اعتقد أن تجريد البشرية من إنسانيتها قد تقدم بالفعل. مع مرور الوقت تصبح المسرحية أكثر قتامة حيث تُثبت الروبوتات أنها أقوى وأكثر ذكاءً من مبتكريها.
المسرحية معنية بمصير البشرية في مواجهة الميكنة. تبدو الروبوتات التي أنتجها مصنع روسوم وكأنها بشر. يمكن أن يشعروا بالألم، لتجنب المخاطر، وليس لديهم أرواح، لا لأن الأرواح غير قابلة للتصنيع ولكن لأن منحها أرواحًا سيزيد سعرها بشكل كبير. إنهم خدام صالحون لأنهم لا يستطيعون الشعور بالخوف والكراهية والحب والحزن، وهي مشاعر تضعف الإنسان وتحرفه عن مهامه.

أحد الموضوعات الرئيسية في “إنسان روسوم” هو جزء مباشر من دفاع أرسطو عن العبودية: ستكون هناك دائمًا حاجة للعبيد حتى تتمكن المكانس من التحرك بمفردها. في مسرحية شابيك تتحرك المكانس بنفسها بالفعل، ولكن بدلاً من أن يصبح البشر أكثر سعادة، يصبحون كسالى وغير راضين أكثر. بدون عمل لتحفيزهم يضعفون ويتوقفون عن التكاثر. وفي الوقت نفسه، تصبح الروبوتات واعية وتدرك تفوقها. تقترح المسرحية أن الروبوتات بإمكانها تخليص الإنسانية من الكدح المهين. وما تهاجمه المسرحية في الواقع، ليس العلم والتطور التكنولوجي، بل الجشع الرأسمالي في ذلك الإنتاج المفرط الذي يعجل الأزمة. هدف شابيك ليس التكنولوجيا في حد ذاتها ولكن استغلالها التجاري.
كما يتعامل ’تشابك، من الناحية المفاهيمية، مع مسألة غرض الحياة- ليس الغرض البشري وحده، ولكن الغرض من أيِّ من أشكال الحياة. في هذه المسرحية يحقق الفيلسوف شابيك انسجامًا مثاليًا مع شابيك المسرحي. المسرحية مليئة بالآمال الفلسفية، ومع ذلك هي عمل أدبي متماسك، لأن المؤلف، على العكس من الشائع عربيًا، تجنب الوعظ، ومن المحتمل أنه فعل ذلك عبر استخدم تقنيات أدبية تعلمها عندما كان طفلاً يستمع إلى القصص الخيالية.
إذن ما الذي يجعل المرء “إنسانًا”؟ هل هو الذكاء؟ القدرة على التكاثر؟ الحب؟ حيازة روح؟ كل ما سبق؟ ربما. ولكن، كما يوضح شابيك، هي أيضًا الحاجة لفعل ما له معنى. ومن هنا فإن عمل ’تشابك القصير هو مساهمة كبيرة في الفكر الفلسفي.
كان ’كاريل تشابك صحفيًا وشاعرًا وكاتبًا مسرحيًا بارعًا وله رؤية نبوئية. كان لمسرحية “إنسان روسوم الآلي” تأثير كبير على الثقافة الشعبية من خلال أفلام مثل Blade Runner ومسلسلات مثل Westworld. ولكن بصرف النظر عن الأعمال المبنية عليها، يتم تجاهل المسرحية نفسها اليوم. نحن بحاجة لإعادة إحياء عمل ’تشابيك الكلاسيكي لأنه يُبرز بدقة وبسخرية خطر السماح للتكنولوجيا الجديدة بأن تصبح مستعبدة بدافع الربح، ومعنى أن يكون المرء إنسانًا.
تقييمنا: ينصح بها بشدة.
كتبها:

دريد الغزال
العمل في هذه المراجعة R.U.R. by Karel Čapek