“الجندي الطيب شفيك” هي إحدى روائع الأدب العالمي التي لا يقرأها العربي، رغم صلتها، وكونها مضحكة ومعبرة بكوميديا سوداوية عن واقعه أكثر من أي قارئ غربي.
تحولت الرواية المنشورة عام 1920 إلى عمل مسرحي يتساءل إن كان شيفيك في الحقيقة عبقري يدعي الحمق للنجاة من الجيش والشرطة، وإلى أوبرا عام 1957. ولقد تبنى التشيكيون مصطلح svejkism (السلبية الشديدة)، تمامًا مثل المصطلح الأمريكي Catch-22. في الواقع، يُستشهد ب “الجندي الصالح شيفيك” على أنه سلف وملهم رواية جوزيف هيلر: “اللقطة-22” والعديد من الروايات الأخرى المناهضة للحرب. عام 1996، صنفت مكتبة نيويورك العامة أعمال Hasek كواحد من أكثر الكتب تأثيرًا في المائة عام الماضية. ويمكن أن نجد تأثير حس شيفيك الكوميدي فيما يتعلق بأجهزة الشرطة والجيش في مسلسل “مرايا” السوري، وفي أعمال عزيز نيسين التركي.
كيف يمكن أن يكون كتاب بهذا التأثير غير معروف اليوم، لحدٍ ما؟
السبب ببساطة هو تغطية الأعمال التجارية، والدعاية المرافقة لها، على الأعمال الكلاسيكية.
على عكس العديد من الكلاسيكيات الكوميدية المزعومة، فإن “الجندي الطيب شيفيك” في الواقع مضحكة حقًا بالطريقة التي تنزع روح الدعابة الطيبة لشيفيك دفاعات السيل اللامتناهي من رجال الشرطة، وحراس السجون وضباط الجيش القساة وغيرهم، أو تدفعهم للجنون.
تبدأ مغامراته عندما ينخرط في محادثة حمقاء مع عميل للشرطة السرية. تدور المناقشة حول الذباب الذي يترك فضلات على بورتريه الإمبراطور فرانز جوزيف الأول.
شيفيك رجل بسيط التفكير، ودود ولا يغضب أبدًا، ويسير في الحياة بابتسامة حلوة على وجهه، ويواجه مختلف المسؤولين وضباط الجيش القساة الذي يحاولون تحطيمه بنظرة هادئة غير منزعجة. ناجٍ لديه صندوق جاهز من القصص المبهجة عن الأصدقاء والمعارف، والتي تناسب كل موقف يجد نفسه فيه. بغض النظر عن صعوبة التحدي، يعيش أيامه بسعادة طالما يحمل مشروبه بيده، وغليونه في الأخرى.
قد يكون شيفيك أحمقًا، لكن لا يوجد شيء آخر بسيط فيه، بما في ذلك اسمه. رجل متواضع يقضي وقته في حانة محلية ويبيع الكلاب، ويعترف شيفيك بفخر أنه أحمق؛ علةٌ وثقها الأطباء، حتى لو قرر البعض منهم أن حماقته هي خدعة وأرسلوه إلى الحرب.
تنتقل القصة إلى مقر الشرطة السرية، ثم ملجأ جنوني، فثكنة عسكرية، حيث قطارات بطيئة الحركة تحمل جنودًا، وخنادق موحلة، وأغاني شعبية. في الجيش، يتبع شفيك الأوامر بدقة شديدة لدرجة أنه عندما يُلقى خارج القطار الذي ينقله إلى خط الجبهة، يقرر السير على السكة، سالكًا الطريق الأكثر تلويًا وطولاً. تأتي كوميديا هاشيك الثاقبة من طريقة تعامل هذا الرجل العادي مع فوضى الحرب، حتى لو كانت تلك الفوضى مغطاة بالانضباط العسكري. في طريقه يخطئه طرفه من النزاع كهارب روسي، وينجو بصعوبة من الإعدام. في النهاية يعود إلى وحدته، وهنا -قبل أن يرى القتال- تتوقف الرواية.
في حين كان الأدب الأوربي خلال الحرب العالمية الأولى يمدح ويمجد الأبطال العظماء الذي أمسكوا البندقية وانطلقوا إلى الصفوف الأمامية للدفاع عن مبادئ بلادهم، يقدم لنا هاشيك هذه الشخصية الكوميدية الساخرة التي تفتخر بأنها نجت من الحرب لامتلاكها وثيقة بالغباء. وهكذا، قد يكون شيفيك بغبائه هو العاقل الوحيد في سخافة الحرب.
كما يذكر سيسيل باروت في مقدمته، وعدد من نقاد الأدب الآخرين، فإن التقدير الكامل لرواية ياروسلاف هاشيك يجبرنا على فهم شخصية شفيك المعقدة والمتعددة الأوجه. يعترف شفيك بحمقه- ولكن يصبح من الواضح بشكل متزايد أنه تحليلي شديد المعرفة ويمتلك فهمًا عميقًا للطبيعة البشرية. ما يضيف الكثير من العمق إلى الحكاية هو كل هذا على التناقض: من البداية إلى النهاية، يبقى شفيك هادئًا، وملائكي تقريبًا؛ تتوهج عيناه بالبراءة والحنان، ويشع وجهه باللطف والرفق والنور. يتحدث بإخلاص وأمانة لدرجة أن من حوله يتأثرون بحضوره، حتى الأكثر صلابة وعسكرة. في نفس الوقت، يوصف الأفراد في السلطة مثل ضباط الشرطة والجيش بأنهم أنانيون، مبتذلون، فظيعون ، وحتى وحشيون وساديون وغير إنسانيون.
مثل شخصيته، جُند ياروسلاف هاشيك في الجيش النمساوي خلال الحرب بعد أن عمل كصحفي لفترة. ومثل معظم التشيكيين استاء من القتال من أجل الإمبراطورية النمساوية المجرية التي كانت تسيطر على بلاده. بدأ بنشر رواية “الجندي الطيب شفيك” عام 1920، وكتب أربعًا من ست أجزاء خطط لها قبل أن يخطفه الموت عام 1923 بعمر التاسعة والثلاثين. وهنا تكمن أعظم قوة لهذا الكتاب. لو عاش ياروسلاف هاشيك 100 عام أخرى، لعاش شفيك مثلها، لأن شفيك هو حرفيًا كتاب بلا نهاية- لظهر شفيك في حروب معاصرة لا معنى ولا ضرورة لها، من العراق لأفغانستان لأوكرانيا.

عن الترجمة العربية
ترجمة توفيق الأسدي، الترجمة العربية الوحيدة للعمل، مأخوذة عن الإنكليزية دون ذكر أي واحدة تحديدًا ولمن المقدمة الطويلة في البداية. وهي في الحقيقة ترجمة عام 1970 للسفير البريطاني لدى تشيكوسلوفاكيا Cecil Parrott. تضيع السياسات المتشابكة للتشيك والنمساويين والهنغاريين في النسخة الإنجليزية- فما بالك بالنسخة العربية المنقولة عنها. فوق ذلك، يتفق شراح هاشيك على أن اللهجات الممنوحة لمختلف الشخصيات تشير إلى وضعها، مع تعقيد لا يمكن ترجمته فعليًا. هنالك شك أيضًا فيما بقي وحذف من الرواية، فالجزء الأول من الرواية بالإنجليزية موجود في 750 صفحة مضغوطة، أما العربية ففي 330 صفحة فقط!
أثناء انتظار ترجمة أفضل، قد يكون من الأجدى اعتبار “الجندي الطيب شفيك” النموذج العظيم في القرن العشرين للروايات الكوميدية المناهضة للحرب، وهاشيك باعتباره أكثر المراقبين الاجتماعيين بصيرة.
تقييمنا: ينصح بها بشدة
كتبها:

الحارث صقر
الكتاب في هذه المراجعة: Osudy dobrého vojáka Švejka za světové války