التصنيفات
Non-fiction علم نفس

الطبيعة البشرية بين الجينات والبيئة

اقرأه كي تفهم ليس فقط العمى الأخلاقي والجمالي لدى أصدقائك، بل أيضا كي تفهم المثالية المضللة لدى الأمم

الكثير من الأسئلة الوجوديّة يجيب عنها “ستيفن بنكر” أستاذ علم النفس في جامعة هارفرد في كتابه “الصفحة البيضاء الإنكار الحديث للطبيعة البشرية “..

ما الذي جعلنا ما نحن عليه؟

ما هو الدّافع وراء اختياراتنا وتفضيلاتنا؟

لماذا هناك من يهتم بالكتابة وآخر يهتم بالرسم؟

هل أنا نتيجة جيناتي أم بيئتي؟

يجيبنا الكتاب على كلّ هذه التساؤلات وبإسهابٍ طويل، حيث يأتي على مدى ثلاثة أقسام تتلّخص في عشرين فصل، يناقش في جزءه الأوّل الطبيعة البشريّة فيفسرها فلسفياً عن طريق شرح المعتقدات والنظريات التي تناولت ماهيّة طبيعة البشر، بالإضافة إلى التّطرق للتفسير الدّيني لها، وقد اختزل النّظريات بأهمّ ثلاث من وجهة نظره..

نظرية الصفحة البيضاء للفيلسوف جون لوك:

فسّرت العقل على اعتبار أنّه صفحة بيضاء يشكّلها الاكتساب والتعلم والبيئة دون أيّ تأثيرٍ للجينات، وهو ما يشابه المذهب التجريبي عند الفلاسفة..

نظرية جان لوك روسو في القرن الثامن عشر:

رأت أنّ الإنسان بصفحته البيضاء هو الخير المحض وأنّ أيّ سوءٍ أو شرٍ يصدر منه ما هو إلّا نتاجُ تأثير الإنسان على الطبيعة والحضارة التي أنشأها ، وهو ما يوافق كلامنا الدارج حينما نصف كلّ ما يصدر عن الانسان من خيرٍ و خلقٍ حسن بالإنسانيّة والطيبة و نردّ كلّ ما يصدر عنه من شرٍ إلى المحيط السيء ، وكأنّما نقول أنّ ما يعلق بالإنسان من شرورٍ وسوء ما هو إلّا درنٌ يجب التخلص منه وليس نتاج أصله أو طبيعته ، وهو ما يفسرّ أيضاً تفضيلنا لكلّ ما هو طبيعي من أطعمةٍ وأدوية ، فنبتعد عن الأطعمة المهجنة المليئة بالهرمونات ونفضّل تلك التي نزرعها بأيدينا .

نظرية ثنائية الرّوح والجسد (رينيه ديكارت):

رأى الإنسان على أنّه نتاج تداخل جزءين، أحدهما مادّي وهو الجسد الذي يعتريه ما يعتري المادّة من شيخوخة وهرم ومرض أي هو الصفحة البيضاء، والجزء الآخر “الروح أو النفس أو الأنا” على اختلاف التسميات هو المتحكم بالجزء المادّي، فكلّ ما يصدر عن هذا الجسد هو بأمرٍ من جوهر الروح الذي يمثلّ الإرادة والاختيار والقدرة على التفكير.

يوظّف الكتاب هذه النظريات الثلاث في ثلاث مجالات:

  • المجال المعرفي الإدراكي:

ما يوصلنا إليه التفكير المنطقي أنّ قدراتنا المختلفة كالحس والإدراك والتقييم كلّها لا بدّ أن تكون مبنيةً على قدراتٍ فطرية جينية أقدرتنا على تعلّم كلّ هذه المهارات بما يشبه برمجتنا على القدرة على التعلم والتفاعل والإضافة للعلم أيضاً، فلو كان دماغنا مجرّد صفحة بيضاء لما تطوّر العقل البشري ونتج عنه كلّ هذه الحضارة على خلاف حسنها أو سوئها.

  • مجال علم الأعصاب المعرفي:

وهو الأكثر ارتباطاً بدراسة الطبيعة البشريّة بين الجينات والبيئة حيث يفسّر قدراتنا العاطفيّة والحسيّة بشكلٍ طبّي تشريحي من حيث الأماكن العضويّة الدماغيّة المسؤولة عن كلّ وظيفةٍ ومدى تداخلها والأذية التي من الممكن أن تلحق بها، ونجد أنّ حجم هذه المنطقة واتساعها دماغياً يرتبط بتشعّب قدراتنا على التّحكم بها.

  • مجال علم الوراثة السلوكي:

والذي ينصّ على أنّ سلوكنا مرتبطٌ بشكلٍ مباشر بجيناتنا التي تتبع لشكل دماغنا وتقسيماته ، ولكنّ الأمر لا يخضع لقانون السببية فتمتعنا بجيناتٍ معينة لا يحتم بالضرورة قيامنا بسلوك محدد والعكس صحيح، أما غالب خصائصنا السلوكية فهي قابلة للتوريث، وعلى خلاف ما نعتقد فتأثير البيئة يشكّل نسبةً لا تذكر، الأمر في النهاية لا يعزى إلى البيئة أو الجينات بتفكير أبيض وأسود فقط ،  بل بما يعادل 50% يرجع إلى التجربة الشخصيّة الفرديّة المتأثرة بثقافة الأقران، بمعنى آخر التفاصيل الشخصية الفريدة التي تؤثر في حياة كلّ فردٍ منّا هي التي تشكّلنا وتجعل منّا نحن، فتعرّفنا على شخصٍ ما قد يغير مسار حياتنا بقدر تأثرنا به واقتناعنا بأفكاره، وكذلك الكتب التي نقرؤوها والتخصص أو المهنة التي نختارها و هذا ينطبق على جميع خياراتنا الشخصية ولعلّ ذلك فيه الكثير من العدل فلم يعد فشل الأبناء أو تطرّفهم هو نتاج تربية والديهم فحسب ..

بالطبع لا يقتصر العلم على هذه النظريات الثلاث بل هي التي اكتفى بها المؤلّف لأسبابه الخاصة، فعلى الرغم من عدد صفحات الكتاب التي تصل لما يقارب 550 إلّا أنها لا تغطّي الموضوع بأكمله، لكنّ الكم المعرفي الهائل لدى بنكر يجعلنا حقاً نقف مشدوهين أمامه.

المجحف جداً في حق الكتاب الترجمة السيئة التي أفقدت الكلمات معانيها وفرغت المصطلحات من مدلولاتها، وكأنّ المترجم لا يحمل الأمانة العلميّة ولم يكلّف نفسه عناء البحث عن أي معلومة أو التأكد من أي مصطلح..

تقييمنا: ينصح به

التصنيف: 4 من أصل 5.

متوفر بالعربية عن دار الفرقد بترجمة محمد الجورا. العنوان الأساسي للكتاب: The Blank Slate: The Modern Denial of Human Nature by Steven Pinker

كتبتها:

ولاء متاعة

فايسبوك لينكدإن