يعتبر الكتاب حصيلة نتاجٍ مشترك بين علماء الأعصاب وعلماء النفس ، حيث يبحث أصول إحساسنا العنصري و يحاول الغوص في أدمغتنا ليحدّد طبيعة شعورنا وأفكارنا تجاه المختلفين عنّا ، والإجابة هنا ليست بنعم أو لا ، فأحياناً تكون الإجابة لا هذا ولا ذاك ..
يجمع الكتاب ثمانية عشر مقال في ثلاثة أجزاء لكتّاب مختلفين تناولوا العنصريّة وحاولوا تفنيد أساسها وأصولها …
القسم الأول: يقدّمه علماء أعصابٍ يدرسون الأمر دماغياًّ ، من حيث الدّوافع وراء تشكيل أفكار تتسم بالتحيّز ، بالإضافة إلى آخر ما تمّ الوصول إليه حول كيفية رؤية الأشخاص المختلفين عنا عرقياً.
القسم الثاني: يتناول كيفية التغلب على هذه التحيّزات .
القسم الثالث : يحكي لنا عن التعايش في المجتمعات متعددة الأعراق عن طريق عرض تجارب من أعراقٍ أقليّة أو أغلبيّة.
نشأة العنصرية:
لا نستطيع نزع هذه الأفكار عن سياقاتها التاريخيّة لأنّها تتشكّل من خليطٍ كبير من الموروثات والثقافات ،
لم يعمد الكتاب إلى طرح تعريفات محدّدة واضحة وهو ما يؤخذ عليه ، فالعنصرية بدأت أولاً من ملاحظة الاختلاف ، وأوّل ما ظهرت بالتّعريف الذي نعرفه اليوم على شكل رد فعل على مشروع النازيّة القائم على تفضيل العرق الآري وتطهير اليهود ، من خلال تعزيز فكرة تفوق العرق الآري وشرعنة سيادته وتميّزه ، وهو ما يعرف بمغالطة الذنب بالتّداعي ، إلا أنّنا إذا قرأنا التاريخ جيّداً ندرك أن تجارة الرقيق كانت نوعاً من العنصريّة ، وكذلك جميع حركات العزل العنصري ضد السود على مر التّاريخ ، وكذلك الحركة ضدّ اليابانيين خلال الحرب العالميّة الثانية ، وصولاً إلى العنصريّة اليوم تجاه المسلمين .
من وجهة نظر علماء الأعصاب:
ما نسميّه اليوم الانحياز العنصري له جذور متشعّبة في أجزاء دماغيّة مختلفة ، يتطور في وقت مبكرٍ جداً من حياة الطفل ، إلّا أنّ دماغنا يتصف بإمكانيّة هائلة على المرونة والتّعلم تجعلنا قادرين على الخروج من مصيدة التحيّز العنصري وإن وقعنا بها ، من خلال الوعي بغرائزنا ودوافعنا ، ومن ثمّ التّحكم بها وتطويرها لاكتساب الجديد.
من وجهة نظر علم النفس:
يبدو أنّ النفس فعلاً تميل لشبيها ، تمتلكنا الرهبة عندما نلتقي مختلفاً عنا، خاصةً وإن كانت لدينا تجربة سيئة مع من يشبهه، فنجد أنفسنا نطلق أحكاماً ، إنّها خبرةٌ تراكميّة ، الغوص خلف الدوافع و التّفتيش حولها يجعلنا ندرك كيف نكون عنصريين دون أن ندري ..
فضلاً عن موضوعه الأساسي يتطرق الكتاب لكثيرٍ من الأفكار التي تستحق الوقوف عندها ، فلا يمكن إطلاق حكم العنصري بسهولة ، وليس كل اختلاف هو تمييز عنصري ، حيث يفسر ماهية العنصرية بكونها تتشكل من مكون ذاتي تحدّده دماغنا وآخر موضوعي تشكّله الثقافة من حولنا، ففخرنا بعرقنا على سبيل المثال لا يجب أن يتضمن إساءةً للمختلف عنا ، نستطيع فهم ذلك بوضوح من خلال دراسة سلوكيات الأطفال ، فهم مدركين للعناصر الموضوعيّة لكن ما يحدد اكتسابهم للعنصريّة أم لا ، هو كيفية شرح العنصر الذاتي لهم ، هل حديثنا عن المختلفين عنا حديث إيجابي ؟ هل تصرفاتنا تجاههم تصرفات حيادية ؟، وقد يفسّر ميل الأطفال إلى من يشبهونهم بميلنا جميعاً لما نعرفه أكثر من ميلنا لما نجهله ، تبدأ المشكلة فقط عند ربط السمات الموضوعيّة بعيوبٍ أو سلوكيات مسيئة .
وبالخروج عن موضوع الكتاب سأنهي بأكثر عبارة أثارت اهتمامي ” البحث العلمي يجب أن يكون موضوعياً حتى لو خالف أفكارنا الأخلاقيّة ، ليست وظيفة العلم تحديد الأخلاقي من اللاأخلاقي إنّما وظيفته كشف الحقيقة “.
تقييمنا: يوجد أفضل
الكتاب في هذه المراجعة: هل نولد عنصريين؟ جوسن مارش، ترجمة جهاد الشبيني، صدر عن منشورات تكوين

كتبتها: ولاء متاعة