10 دقائق و 38 ثانية في هذا العالم الغريب
أليف شافاك- ترجمة: محمد درويش
دار الآداب
تقييمنا: ينصح بها
لابد أن تكون أكثر من 800 صفحة في كتاب واحد متعبة ومملة- خصوصاً لمن لا يحبون السرديات الطويلة، لابد أن تفكر ملياً قبل اقتناء رواية بهذا الحجم لكن هذا الأمر قد لا ينطبق على هذه الرواية وتحديدًا عندما يكون الكاتب استثناءً لاقتناء رواية طويلة.
تكتب إليف في هذه الرواية عن قصة ليلى التكيلا وحياتها، متطرقة بذلك لعدة أمور مهمّشة في زوايا المجتمعات الشرقية، فتخوض في غمار هذه الرواية صفحات عدّة عن حياة المومسات وكيف كان القدر قوّاداً، جعلهنّ يمتهنّ أسوأ ما قد يتخيله عقل أنثى، وتتحدث أيضاً عن حياة كل غريب في مدينة تحتوي العجائب كاسطنبول، بحيث تبدأ الكاتبة روايتها بداية فضولية ومشوقة من خلال عقل ليلى الذي يبدأ باستعادة كل ما جرى في حياتها سابقاً معيداً إياها للحظات مفصلية في حياتها ومن هنا من كل لحظة تسردها الكاتبة عن حياة ليلى تقتنص الفرصة لتوصّف الغرض من روايتها.
تسبر شافاق بأسلوبها السردي السلس والممتع أغوار النفس البشرية لتحكي عن قصص اشخاص لربما التقينا بهم في قصص أخرى أو لمحناهم في الميترو لبرهة أو صادفناهم في شارع ما، لكنهم هنا بيننا، مهما غضضنا بصرنا عنهم. تجعلك تسأل نفسك كيف يعيش هؤلاء؟ وكيف هي حيواتهم؟
الرواية ألمَت بالكثير ليس بدراسة طقوس ومسارات الشخصيات التي تدور حولها فحسب وإنما بالوصف الدقيق والشامل للمكان والزمان. لمن سبق وأن قرأ لشافاك لن يتعجب من وصف الكاتبة مجدداً لمدينة اسطنبول بأحيائها وسكانها وأشخاصها وأزيائهم ومبانيهم والأزقة والشوارع واللافتات. تعكس إليف كعادتها مدينة اسطنبول كمرآة للقارئ، اسطنبول المدينة الحالكة والمضيئة في آن، الحانية والقاسية، الخائفة والمتمردة العشوائية والمختلفة، اسطنبول ملاذ الحالمين وجلّادة المتواطئين، ولكن من الملفت أنّ الكاتبة في هذه الرواية قد ألقت الضوء أيضاً على أكثر من ولاية تركية، محاكية تاريخ كل مدينة وعادات سكانها ومعتقداتهم من فان إلى ماردين ومن الحدود مع سوريا إلى الحدود مع جورجيا. ولابد من الاشارة بأنه في هذه الرواية، لم تستهدف الكاتبة الجمهور التركي فحسب فبالرغم من أن أحداث وشخصيات الرواية تركية الجنسية إلا أنّ إليف تتوجه إلى المجتمعات الشرق أوسطية ككل فهي تتحدث عن تشابه حكومات بلادها مع الحكومات العربية أو حكومات الشرق الأوسط.
أعتقد شخصيًا أن الكاتبة قد استحقت وبجدارة الترشح لجائزة البوكر لهذه الرواية، فهي حقاً، إن أردنا وصفها بكلمة، “مرآة”- فكما أنّ وظيفة الرواية أن تنمّي خيال القارئ، لابد أيضًا أن تنبهه إلى حقيقة الواقع، ومرار التجربة. تقدم إليف هنا معطيات لكل مريد لمدينة إسطنبول، فمن قرأ الرواية كمن عاش في تركيا تماماً. تطرح نقداً إيجابيًا لسلوكيات المجتمع التركي بأسلوب ممنهج من خلال الحوارات التي تدور بين شخصيات الرواية، وتتحدث عن ضرورة مجاراة ركب الحضارة والتخلي عن المعتقدات التي تقيّد المجتمع وتلغي حرية الأفراد، وتنتقد الكاتبة أيضًا ممارسات السلطة بشكل معلن وتتحدث عن تاريخ الصراع الكردي التركي وعن الكثير من الأشياء التي يتم التعتيم عنها ومحاربتها، والتي تخشى الكاتبة ذكرها كما نوهت في آخر الروية. بأسلوب ذكي ومتفرد حقاً تأخذك إلى مشافي تركيا ومقابر إسطنبول، إلى حياء الأغنياء والفقراء، وحياة المشردين والملاهي الليلية، إلى الجرائم التي تُرتكب يوميا والسجون التي تقود إليها، وتسرد بالتفصيل حكايا من داخل كل ما سبق موضحة بالأرقام والبراهين كيف تسير الحياة داخل أربعة جدران أو في شارع ضائع وسط اسطنبول.
