تقييمنا: ينصح بها
رواية الكاتب الأرجنتيني بيدرو ميرال عبارة عن 118 صفحة، مكتوبة بشكل جميل، مع صور كثيفة وحالمة لرؤى الرسام المتوفى حديثًا مروية عبر عيون ابنه الحزين. في عالم مثالي سنتوقف عن مقارنة كل كاتب أمريكي-لاتيني بغابرييل غارسيا ماركيز، لكن هذه الرواية بطابعها الريفي (على غير عادة الأدب الأرجنتيني الذي يتخذ من بوينس آيرس مركزًا له) وواقعيتها السحرية وجريان الزمن ستذكر القارئ ولا شك بأعمال ماركيز وخصوصًا مئة عام من العزلة.
قد تبدو السنة المفقودة من النظرة الأولى قصة بوليسية من نوع ما؛ بحث عن أسرار عائلية مخفية. يتوفى والد الراوي سالفاتيرا، وهو رسام فقد صوته أثناء حادث ركوب الخيل في طفولته. انطلق الراوي وشقيقه لويس، بدرجات متفاوتة من الحماس، للعثور على الأشخاص الذين سيجلبون لوحات سالفاتيرا إلى الجمهور الأوسع الذي تستحقه، ثم تبين أن مخطوطة تمثل عامًا من حياة سالفاتيرا مفقودة؛ فجوة غير مبررة تصبح مركزًا لسعي الأخوة، وفي أثناء تحقيقاتهم، تتكشف بعض الأمور المدفونة جيدًا عن ماضي سالفاتيرا. ومع ذلك، فإن هدف الرواية موجه نحو شيء آخر غير مجرد حل الألغاز وكشف الأسرار. توجهها الحقيقي له علاقة أكبر بإحداث نوع من الدوار، والتساؤل عن مغزى الحياة والقدر.
على الرغم من أن الأخوين يتقدمان إلى الأمام كبيروقراطيين عازمين على ربط حياة أبيهم المتناثرة، فإن رؤية سالفاتيرا الأبكم للتجربة الإنسانية على أنها جميلة وغادرة، وتجري كنهرٍ أبدي، تسود قلب الكتاب.
تدور رواية بيدرو مايرال حول هذه المساحات الفارغة أكثر من المساحات الممتلئة المعتادة. إنها رواية حيث الأشياء التي تم إهمالها لا تقل أهمية عما حصلنا عليه. والجانب الغامض للكتاب هو الأقل أهمية، فليس من المستغرب أن يعيش سالفاتيرا الوجودي الوحيد حياة سرية. إن الأهمية التعليمية لمحتوى “السنة المفقودة” واضحة أيضًا إلى حد ما، نظرًا لارتباطها الوثيق بالأشخاص المهمشين وحياتهم. يشكل الابنان تباينًا مجازيًا أنيقًا للغاية – راوي الكتاب هو شقيق متعاطف، يتألم من تفكك عائلته، بينما الآخر عقلاني ببرود. ومع ذلك، فإن سنة خوان سالفاتيرا المفقودة هي احتفال جذاب بالفن كقوة من قوى الطبيعة. تظهر لوحة سالفاتيرا العظيمة كشخصية رائعة في الكتاب، لوحة قماشية نهمة تمتد رؤيتها من السياسية إلى الميتافيزيقية.
في النهاية تتكشف أسرار سالفاتيرا وتتراجع بشكل غير ضار، وتكتمل الدائرة. ولكن في نهاية الكتاب، يبدو سالفاتيرا توكيدًا لمى يقوله عمله العظيم: كل ما يبقى من المرء هو الصامت. يبدو أن لوحاته تقول: انظر! عندما ترحل، هكذا سيستمر الزمن من دونك. تتركنا اللوحات (والرواية) مع الشعور بأن أي شيء يمكن أن يحدث في هذه الحياة. ولكن تمامًا مثل الزمن اللامتناهي، وكذلك لوحات سالفاتيرا، التي تحتوي على امتداد غير معروف من التفاصيل التي يبدو أنها تتكاثر وتحول، وتتدفق إلى الأمام في تيار غير منقطع؛ القرار الذي تقدمه السنة المفقودة، الدائرة التي تغلقها، يمثل مفارقة: الوقت غير محدود، ولكن في يوم من الأيام، سينتهي بنا جميعًا. أو ربما – في أوصافها السحرية، وإصرارها الثابت على الجمال الذي لا يضاهى الذي يعيش داخل أسرار الحياة الرهيبة أحيانًا، تذكرنا الرواية ببساطة بالتوقف والاستمتاع قبل مضي الوقت.
ملاحظة عن الترجمة العربية
ترجمة أشرف القرقني سلسة وتلتقط لغة بيدرو السحرية جيدًا ولكن الغريب هو هامش المدقق في أول صفحة عن اختياره لـ “ثمت” بدلاً من ثمة، وهو أمرٌ لم يسبقه إليه مدقق حيث جرى العرف على تصحيح الأخطاء فقط دون ملاحظات منشورة، وكأن المدقق هنا يحاول لفت النظر لوجوده حتى لو عطل جو الرواية من بدايتها بلا سبب مهم!