تقييمنا: ينصح بها
بعد صيفين من التطوع في مركز للاجئين في أثينا مع تدفق آلاف العائلات إلى اليونان، وجدت كريستي ليفتري نفسها تتساءل -حسب كلماتها- عما يعنيه أن ترى، وأن تُرى. من السؤال انبثقت روايتها التي تتبع نوري، مربي نحل سوري، وزوجته عفراء، فنانة أعماها نفس الانفجار الذي قتل ابنها، في رحلة للعثور على الأمان في المملكة المتحدة.
تميل الأخبار لنقل قصص اللاجئين بالملخص العام: ملايين الأشخاص يفرون من الحرب والفقر والاضطهاد – كلمات لا تحمل أي تفاصيل. ولكن في The Beekeeper of Aleppo، تمنحنا ليفتري نظرة حميمية ومدروسة عن حياة زوجين لاجئين وقصة لجوئهما. تتبع الرواية خطين زمنيين معًا: أحدهما يبدأ في حلب عام 2015 حيث يقرر الزوجان مغادرة سوريا والقيام برحلة خطيرة عبر تركيا واليونان، والآخر في بلدة ساحلية في إنجلترا في العام التالي، حيث تَقدم نوري وزوجته بطلب لجوء.
تنتقد Lefteri بمهارة تصوير وسائل الإعلام للاجئين، وتطلب من القارئ أن يتعمق فيما وراء أزمة اللاجئين كما يتم تداولها كقضية سياسية والنظر، عوضًا عن ذلك، للاجئين كما هم: بشر.
مهارة الكاتبة هي أنها قادرة على تسجيل تفاصيل رحلة اللاجئين مثل اليوميات، وليس بصيغة إخبارية، ولذلك لا يشعر المرء بالملل أبدًا. يتم استيعاب المرء ببساطة في تفاصيل هروب نوري وعائلته من سوريا. الكاتبة، وهي ابنة لاجئين من قبرص ومعالجة نفسية سابقة، أتقنت جيدًا موهبة سرد قصة ما هو غير متوقع.
ترسم ليفتيري بحساسية ما يبدو عليه عندما تشتعل الحرب في بلد ما، متنبهة للآثار الدقيقة للصدمة والحزن. لا يتم رسم نوري وعفراء على نطاق واسع كضحايا، لكنهما يعانيان بطرق مختلفة ومعقدة من اضطراب ما بعد الصدمة – وهي حالة نادراً ما يتم استكشافها في الأدب خارج حسابات المقاتلين المخضرمين أو مراسلي الحرب. تمكن نوري وعفرا من الهروب من مسقط رأسهما المدمر، لكنهما لا يستطيعان الهروب من الذكريات التي تطاردهما. “أنت ضائع في الظلام”، أخبرت عفراء نوري، مذكّرةً إياه أنه حتى لو كانت هي التي فقدت بصرها، فهو معزول أكثر عن أحبائه – وعن نفسه.
نادرًا ما تتحول رواية ليفتيري الهادئة إلى العاطفة المبالغ بها أو الكآبة الساحقة. حب نوري لتربية النحل وعشق عفراء للفن، الذي تتخلله ذكريات أكثر سعادة لسوريا، يقدم لمحة عن الجمال الذي لا يزال في متناول أيديهم.
رواية ليفتيري ليست الأولى التي تتناول الأزمة السورية وتداعيتها، ولن تكون الأخيرة بالتأكيد، لكن مثل الكثير من الأعمال التي رأينها حتى الآن، تغرق جميعها في التركيز المحلي؛ بدأً بالعناوين التي تحاول الاستفادة من شعبية منطقة معينة على الأخبار دون غيرها، مع أن أماكن أخرى شهدت مآسي أكبر. وهذا التركيز على جغرافية بعد اللاجئين يدفع للتساؤل فيما إذا كان لجوء الروهينغا، مثلًا، مختلف عن لجوء الحلبيين؟ بالطبع لا، وليفتيري ولا شك تدرك ذلك، لكنها، كما غيرها من الروايات حول هذا الأمر، تفشل في نقل كونية المشاعر والمآسي والتطلعات البشرية.
يبدو أن القارئ، وخاصة الأجنبي، يقرأ هذه الروايات بعين الشفقة والبُعد وكأنه يقرأ عن ميكروبات تحت المجهر ولا يضع نفسه في مكان الشخصيات محاولاً اختبار إحساسها، كما جعلنا دوستويفسكي نجرب إحساس القاتل والتوتر حول الصواب والخطأ، رغم أن لا أحد قد قتل أو يفكر في تجربة الأمر. وكما جعلنا بروست نتذكر طفولتنا الخاصة رغم أنه كان يكتب عن أمور حميمية تخصه، وأقلقنا همنغواي بخصوص العودة من دون صيد من غير أن نكون صيادين.
إن الروائي العظيم هو الذي يجعل القارئ يؤمن أن ما يقرأ يخصه في الصميم حتى لو كانت القصة في الطرف الآخر من العالم ومع أناس لا يشبهونه، وإلا تصبح القصص مجرد إخباريات لا تختلف عن قصص الإعلام الذي تنتقده ليفتيري.
رواية “نحال حلب” عمل جيد، ومروي بإتقان، وكشخص عاش في حلب خلال الأحداث التي تتناولها الرواية، وجدتها أمينة لدرجة بعيدة -ما عدا مسألة الصحراء التي بدت كتصور هوليوودي لا يتغير عن المنطقة- لكن للسبب الآنف تحديدًا، ربما لن تقاوم عامل الزمن.
تحديث: صدرت ترجمة هذه الرواية عن دار الخان تحت عنوان: “نحال حلب”، لكريستي لفتيري وترجمة مهدي سليمان