التصنيفات
روايات

نداء البرية

مراجعة لرواية جاك لندن الفريدة: نداء البرية

تعتبر رواية The Call of the Wild، وهي قصة مغامرة قصيرة عن كلب زلاجة يدعى باك، واحدة من أغرب القصص وأكثرها فرادة.

ومؤلفها فريد أيضًا. كان جاك لندن شابًا ضخمًا مفتول العضلات، وابنًا لمنجم جوال وأم روحانية. كصبي، عاش حياة إجرامية، وتخصص في قرصنة المحار في خليج سان فرانسيسكو. ككاتب، اتقدت فيه شعلة الكتابة لفترة وجيزة، وعاش حياة شاقة وخطيرة، وتوفي نتيجة الشرب والمخدرات عن عمر 40 سنة فقط، بعد أن كتب أكثر من 50 كتابًا في 20 عامًا.

لندن هو النموذج المثالي للكاتب الأمريكي المغامر، نجد فيه النبوءة  بهمنغواي وكيرواك، وبالنسبة لجورج أورويل كان “مغامرًا ورجلًا فعليًا كما كان عدد قليل من الكتاب”.

قصته عن الكلب “باك” هي كوسيلة لاستكشاف ما اعتبره جوهر الطبيعة الإنسانية- استجابة لموجة من النداؤ الموجه إلى الشباب الأمريكي تحث على بداية جديدة لجيل مطلع القرن. أصبح مخلوق لندن المُتخيل رده على التحديات المعقدة للحداثة.

يكتشف القارئ باك، وهو كلب حائز على العديد من الجوائز، كحيوان أليف لقاضٍ في كاليفورنيا. يسرقه بستاني سيده لتسوية بعض ديون القمار، ليمر باك بعد ذلك عبر سلسلة من المالكين الذين يتراوحون في مدى واسع من علياء وانحطاط الإنسانية. ثم يتم بيعه ليصبح كلب زلاجة في ألاسكا في ظروف تشبه بيع وعمل العبيد، وينتهي به الأمر في سباق Yukon الذهبي في التسعينيات من القرن التاسع عشر، وهي بيئة مألوفة للكاتب. في نهاية المطاف، أصبح ملكًا لرجل أعمال حر يدعى جون ثورنتون يدرك صفات باك ومعه يتمتع الكلب بعلاقة عميقة تؤثر به.

من بين العديد من المغامرات، في أقصى الأرض، ينقذ باك ثورنتون من الغرق، لكن عندما يُقتل سيده على يد بعض الهنود الأمريكين، يستسلم لطبيعته الحقيقية، يجيب نداء البرية، وينضم إلى قطيع من الذئاب: البشر ومتطلبات البشر لم تعد ملزمة له. هنا، لا يكتب لندن عن الكلاب فقط؛ إنه يعبر عن إيمانه، الذي يدين لروسو بشيء منه، أن الإنسانية دائمًا في حالة صراع، وأن صراعات الوجود تقوي طبيعة الإنسان.

إن أحد مواضيع The Call of the Wild المهمة هو “atavism”، أو استعادة طبيعة الحيوان (في هذه الحالة Buck) لغرائز أسلافه البرية. بالنسبة إلى باك، يتضمن هذا التعافي رؤى متكررة لماضيه البدائي، والتي تحدث عادة في وقت متأخر من الليل عندما يكون مستلقياً بجانب نيران المعسكر. يرى الرجال من حوله كرجال بدائيين، رايات من الفراء وحذر من ظلام ما قبل التاريخ من حولهم، ومن ثم لديه رؤى لنفسه كجسم بري، بدائي، يطارد ويصطاد فريسته في الغابات البرية. كل هذه الرؤى تقربه من مصيره، وهو العودة إلى طرق أسلافه وأن يصبح حيوانًا بريًا بنفسه.

في رواية نداء البرية تتقاطع معارك الحياة والموت، التي تعمل بمثابة تذكير لمخاطر الحياة في كلوندايك، ولكن الأهم من ذلك أنها تمثل علامات اندماج باك التدريجي في بيئته الجديدة. عندما يصل باك لأول مرة في الشمال، كان يشاهد كلبًا ودودًا يدعى كيرلي يُقتل بوحشية وبطريقة تثير القشعريرة. وليس بعيدًا من ذلك، يجد نفسه في منافسة مع سبيتز الذي ينتهي به الأمر بخوض معركة شرسة مع باك، معركة يخرج منها باك فقط. بعد أن أثبت نفسه ككلب مهيمن عبر هذا النصر، يجب أن يواصل باك إثبات نفسه في معارك مع مخلوقات أخرى – مع دب ، مع موس، وأخيرا مع البشر. عندما يقاتل باك الهنود الأمريكيين الذين قتلوا جون ثورنتون، فإنه يقاتل من أجل حياته ضد البشرية للمرة الأولى، وهي علامة أكيدة على استيعابه النهائي في الحياة البرية.

ما يحجز مكاناً لقصة “نداء البرية” في الخلود هو أسلوب لندن الجذاب والحيوي، وارتباطه المذهل وقربه من العالم الذي يصفه. إن قدرته على إشراك قرائه في قصته، بغض النظر عن الدقة الأدبية، هو ما استلهمته أجيال عديدة من الكتاب الأمريكيين من بعده. ولهذا وحده، يستحق أن نتذكره.