تقييمنا: ينصح به
ثلج هي رواية الكاتب التركي أورهان باموق السابعة، وهي ليست رواية جذابة وممتعة لقراءتها فحسب- بل قراءة ضرورية لزماننا، وخصوصًا بالنسبة لأولئك الذي يعيشون في بلدان ذات طابع سياسي واجتماعي مشابه، فالرواية لديها الكثير لتعلمنا إياه عن تكرار وتشابه الحركات الشعبية.
تدور رواية باموك في أوائل التسعينيات في قارص، وهي مدينة نائية ومهدمة في شرق الأناضول، وتشتهر بآثارها الأرمنية الحزينة وآثار الحكم الإمبراطوري الروسي أكثر من الطقس المثير للدهشة. تسقط الثلوج -“كار” باللغة التركية- بشكل مستمر وشديد على السهول والقلعة والنهر وشوارع قارص، والتي يقول المحليون أنها تأخذ اسمها من “قارصو” (تساقط الثلوج).
ثلج، في جزء منها هي “رواية سياسية دوستويفسكية” تعالج المشاكل المتشابكة لهذا “المجال المحلي”. في هذه الرواية، تم عزل المدينة عن العالم، وعن الواقع الأدبي أيضًا إلى حد ما، بثلاثة أيام من الثلوج المتواصلة. يُـخبر القارئ بأن الرواية مكتوبة بين عامي 1999 و 2001، وتتناول بعض الموضوعات الرئيسية لتركيا والشرق الأوسط: الصراع بين الدولة علمانية والإسلاموية، والفقر، والبطالة، والحجاب، ودور الجيش، والعديد من حوادث الانتحار.
بطل الرواية هو شاعر مُستـنـفـَذ يدعى كريم ألاكوغلو، ينادى تكنيًا بـ “كا” وهو أيضًا اختصار ملائم لكا في كارص. هو مثقف برجوازي، لم يزر المسجد إلا مرة واحدة خلال طفولته – عندما أخذته خادمة والديه. لقد قرأ الكثير من الأدب الأوروبي، ولا يعرف شيئًا عن الفقر الخطير. بعد سنوات عديدة من النفى السياسي في فرانكفورت بعد انقلاب 1980، يعود كا إلى اسطنبول لحضور جنازة والدته. بعد ذلك تكلفه إحدى الصحف في إسطنبول بكتابة مقال عن الانتخابات البلدية في قارص والتحقيق في سلسلة من حالات الانتحار التي ارتكبتها نساء وفتيات في المدينة. في دوره كصحفي ، يمشي كا عبر الثلج أثناء مقابلة عائلات الفتيات. إنه يعلم أنهم ينتحرون بسبب ضغوط سلطات الكلية لخلع الحجاب في الفصل. (لا ينجح النزع الإجباري للحجاب تمامًا مثل فرض الحجاب، في كلتا الحالتين هو دفع لأيدلوجية أو رغبات سياسية أكبر من زي المرأة)
سرعان ما اتضح أن كا ليس مهتمًا بدرجة كبيرة بالحجاب – يشعر القارئ أن كا كونه شاعر يزور قارص لأن الشاعر بوشكين زار قارص- لكنه وقع في حب زميلته القديمة من إسطنبول: إيبك، التي انتهى بها الأمر في قارص وانفصالها عن زوجها. في هذه الأثناء، تعود إليه موهبته الشعرية بقوة سحرية، وهو يغوص إلى الأبد في المقاهي لإخراج قصيدته الأخيرة ووضعها في دفتره الأخضر. ثم يروي راوي آخر، يدعى أورهان باموك القصة، ليس من دفتر الملاحظات الذي فقد أو سُرق، ولكن من الملاحظات المكتوبة بخط يد كا والتي وجدها بعد أربع سنوات في شقة الشاعر في فرانكفورت. أورهان، كما “طبقة المثقفين البرجوازيين” التي ينتقدها كا، يعبر مرارًا وتكرارًا، خلال ظهوره النادر على خشبة الأحداث، عن حيرته عندما لا يولي الناس الاهتمام الكافي بشهرته الأدبية، كما أنه يشرب كثيرًا.
الرواية مليئة بالشخصيات الأخرى المثيرة أيضًا، من كا نفسه إلى الأزرق، وهو إرهابي متشدد وسيم لديه هبة الإقناع والقيادة، وهنالك الممثل وزوجته اللذان يجولان في مدن صغيرة في الأناضول ويأديان مسرحيات ثورية وانقلابات رئاسية. وسردار بك، محرر الصحف المحلية، الذي لديه عادة كتابة الأحداث وارسالها إلى المطابع قبل حدوثها -في إشارة ربما لمدى تكرار الأحداث التاريخية وخاصة الأحداث السياسية في تركيا وسهولة التنبأ بنتائجها بدقة-. هناك العديد من المشاهد الرائعة في الرواية، بما في ذلك مشهد تسجل فيه آخر محادثة مهمة بين أستاذ جامعي وقاتل متشدد في مخبز. والنصف الأول من الرواية يشبع أعمال غوغل بشكل ظريف، حيث تتوقف المحادثات بسبب انقطاع الكهرباء مثلما لف الضباب النصف الأول من “الأنف” بالغموض، ويتململ رجال الشرطة السريون من عدم جدوى مهماتهم كما في “المحقق”.
ومع ذلك، هناك قرارات أدبية قد يتسائل حولها بعض القراء. الأول هو حذف قصائد كا. لقد ضاع أو سُرق الكتاب الأخضر وما تبقى عبارة عن ملاحظات كا حول كيفية تأليف قصائده التسعة عشر في قارص وكيف يمكن ترتيبها على النموذج البلوري لنسخة الثلج. هذا غير مثير للاهتمام تمامًا كما يبدو، ويحاول تصنع الرمزية وفرضها في الرواية دون سياق منطقي. في كتاب ثري ومع ذلك خفيف للغاية، هذا هو الجزء الممل الوحيد.
يقرر باموك أيضًا وضع ذروة الحبكة في المسرح. أولاً، حين أطلق الجنود النار على الجمهور من خشبة المسرح الوطني في قارص خلال بث تلفزيوني مباشر، هو مشهد جيد من ناحية الكتابة، لكن التأثير هو نفسه كما هو الحال مع أوصاف قصائد كا. والمرحلة الثانية اللاحقةة تجعل الأمور موضع خلاف وأقل إقناعًا. يحب باموك تقويض كل شخصية وزعزعة استقرارها من خلال تقديم نظير أقل شأناً أو فاسد: ليس فقط باموك/كا، ولكن أيضًا إبيك وشقيقتها كادفي الجميلة، الطالبان الإسلاميان نجيب وفاضل وما إلى ذلك.
تطارد الرواية شبح الانتحار الديني مُنكر الوجود والصراع السياسي بين الديني والعلماني الذي يحدد وقتنا. يتعامل باموك مع كل ذلك بتفكر ومهارة، وبعض التأمل الصوفي نحو إمكانية الإيمان. ليست لغة باموق مدهشة فحسب، بل إن قصته ممتعة للغاية وما نحتاج إلى قراءته للتعلم عن العالم، وأنفسنا، وبعضنا البعض.