ما الذي تكتشفه آلاف الحسابات وملايين الصور المنمقة للكتب على انستغرام؟
أن الكتب الجميلة والمصممة بشكل ملفت يعكس محتوى الكتاب مهمة وجذابة بعكس العرف الشائع بأن ما يهم هو محتوى الكتاب فقط وليس تصميمه. فكر في الأمر، إن كان البشر أنفسهم يهتمون بمظهرهم وليس فقط ما يملكونه في داخلهم، ومظهر المنازل، والسيارات، وحتى الإعلانات التجارية والتغليف التجاري يجب أن يبدو فنيًا وجميلاً، فلماذا على الكتب فقط أن تظهر بمظهر مخيب للآمال كما في الكتب العربية؟
ما يخبرنا به انستغرام، والتنافس الشرس لدفع العدد الضخم من الكتب في السوق، أن الحكم على كتاب (على الأقل جزئيًا) من غلافه أصبح أمرًا مشروعًا. يوجد حاليًا مجموعة كبيرة من المحررين والفنيين ومديري الإنتاج ومصممي الكتب (هذه الوظائف لا تزال غير موجودة في دور النشر العربية أو يقوم بها شخص واحد) الذين يقومون بأعمالهم مع فجر جديد، فجر الاعتراف بهم كفنانين لهم صنفهم الخاص من الإبداع، ولا شيء يثير الروح المعنوية أكثر من معرفة أن الناس يلاحظون عملك، ويفكرون فيه جيدًا، ويريدون منك فعل المزيد.
أدى ظهور التفاخر الإلكتروني أن الناس تبحث عن الكتب القيمة ذات التصميم الأفضل للاحتفاظ والتفاخر بها، فلو كان لديك خيار بين نسختين من الألياذة واحد بغلاف ورقي لا معنى له وأخرى بتصميم دار بينغوين الراقي والمميز فبالتأكيد ستشتري اللاحق. لذا بدأ الناشرون في بناء استراتيجيات التسويق الخاصة بهم حول النموذج بدلاً من المحتوى. هذا ما قالته Penguin بوضوح عند إعادة إصدار 100 رواية كلاسيكية فيما وصفه بيانها الصحفي بأنه “كتبًا سترغب في جمعها ومشاركتها والإعجاب بها والاحتفاظ بها؛ وهي كتب تحتفل بالمتعة الخالصة للقراءة”. ويُترجم هذا إلى عالم المواد، ويعني ذلك تصميمات الغلاف ونوعية الورق والرسومات المرفقة.
ليست شركات النشر الكبرى وحدها هي التي تولي المزيد من الاهتمام للطريقة التي تبدو بها منتجاتها. تم تأسيس العديد من المحلات الصغيرة (مثل هذه الدار) بشكل واضح لصنع كتب جميلة، ويفكرون في مسائل جديدة تتجاوز الإنتاج التجاري مثل أغطية قماشية، وإصدارات محدودة مرقمة، وأعمال فنية، وورق ناعم لا ترغب في نزع يدك من عليه.
حتى عالم الموضة استوعب فكرة الكتاب كإكسسوار جمالي: في حملته الخريفيّة / الشتوية لعام 2018 ابتكر لووي مجموعة من الكلاسيكيات الأدبية، بما في ذلك دراكولا ودون كيشوت ، بأغلفة المصور ستيفن ميزل. إذا كان هذا يجعلك تشعر بالحنق – حيث يتم تجاوز داخل الكتب لصالح مظهرها الخارجي – فإن حملة لوي أيضًا هي تذكرة بالجاذبية التي يجلبها الفكر.
هذا الاهتمام بالتفاصيل ليس مجرد لعبة لإنتاج كتب يمكن التفاخر بها بل إن الهدف من تصميم كتاب جيد هو جذب انتباه القارئ وبائع الكتب، حيث أنه “لديك بضع ثوان فقط لإجراء البيع”.
بعد الغلاف فإن واحدة من أبرز الميزات في هذه الموجة الجديدة من الكتب عالية الجودة التي تنتجها المطابع الصغيرة هو التركيز المتجدد على الرسوم التوضيحية. كانت الصور غائبة إلى حد كبير عن تجربة قراءة البالغين على مدار الخمسين عامًا الماضية، على الرغم من أن هذا لم يكن هو الحال قبل 50 عامًا بل إن أشهر الفنانين عرفوا بعملهم على الرسومات والنقوش المخصصة للكتب مثل المعلم الكبير جويا وغوستاف ديور الذي لا يقترن اسمه دومًا بالكوميديا الإلهية، وويدون غروسميث في عمله مع أخيه لى “مذكرات شخص نكرة” وحتى أن كبار المعلمين رسموا في مشروع خاص للكتب مثل رسومات دالي لدون كيخوت ورسومات ماتيس لعوليس.
في خطاب استلام جائز بوكر، أشار الروائي جوليان بارنز إلى أن السبب وراء أهمية الحضور المادي للكتاب في الوقت الحالي هو التحدي الذي تسببه الكتب الإلكترونية، والذي يميل إلى جعل كل الكتب تبدو متشابهة. والرد على هذا الأمر هو محاولة تحويل الكتاب إلى شيء ثمين يمكن امتلاكه مثل امتلاك عمل فني لا يغني امتلاك صورة عنه، وذلك من خلال العودة إلى أساليب الإنتاج الحرفية- كتب مخيطة يدويًا ومصورة بشكل جميل، وهي فلسفة تم أخذها في القرن العشرين من قبل المطابع الخاصة مثل Nonesuch و Golden Cockerel. حتى فيرجينيا وولف وقعت في هذا الوله في الماضي عندما اشترت مع زوجها ليونارد مطبعة في عام 1917 وأقاما متجرًا من غرفة احتياطية في منزلهما في ريتشموند. وقالا إن هدفها كان ذو شقين: إعطاء فرجينيا وسيلة لتهدئة أعصابها المتوترة، ونشر أعمال ما كان للناشرين التجاريين نشرها. واحدة من أهم الإنتاجات التي خرجت من هذه المطبعة هي أرض الضياع لتي إس إليوت.
إن جمالية الكتب لا تعني بالطبع أن تكون دومًا مصنوعة من مواد غالية أو تكون ذات أسعار مرتفعة. فإصدارات بنغوين المختزلة ذات الألوان الأساسية ومن دون أي صور وبغلاف ورقي أصبحت أيقونة لها جامعون يتصيدونها بشكل خاص. هذا الأمر نتج عن وجود فلسفة تصميمة واضحة وليس نشر كتب خبط عشواء.
في فضاء النشر العربي كل هذا غير موجود تقريبًا مع بعض الاستثناءات القليلة، فمثلا الدار العصرية والدار النموذجية تطبعان كتبًا بغلاف عالي الجودة وورق ملون جميل، وكذلك تفعل العديد من المطابع اللبنانية تحديدًا ومع كتب الأدب العربي والكتب الإسلامية فقط، ولكنها كلها تفتقر إلى تصميم غلاف فني وتختصر في الغالب على المزركشات الإسلامية المعتادة دون تطور.
هنالك أيضًا تصميم أغلفة روايات نجيب محفوظ بشكلها القديم (والتي أتت أيضًا مع رسومات داخلية وهو أمر نادر جدًا في كتب الكبار العربية، لكن تم إزالتها في الطبعات الحديثة للأسف) والحديث لحلمي التوني، لكن نوعية الورق والطباعة هذه المرة هي السيئة. وتصميم شايب لرواية أبو شلاخ البرمائي، وبعض التصاميم للروايات المصرية الحديثة التي نتجت كضرورة لدفع هذه الروايات في السوق. فيما عدا ذلك ما تزال التصاميم “الفنية” نادرة جدًان والأهم من ذلك ما تزال الرؤية والاستراتيجية لإنتاج كتب مميزة مفقودة تمامًا.