التصنيفات
Non-fiction

الحقيقة بخصوص تعلم الكتابة

هل حقًا يمكن للكتابة أن تُعلم؟

تقييمنا: ابحث عن بديل

التصنيف: 1 من أصل 5.

لا بد أن كتاب “الحقيقة والكتابة” لبثينة العيسى أحد أكثر الكتب المشوشة والضائعة أبدًا!

بداية من عنوان الكتاب الذي يدل أنه كتاب عميق وذو طابع فلسفي يناقش علاقة الحقيقة بالكتابة كما كتاب هيغل “فلسفة الحق” أو كتاب دريدا “الحق في الفلسفة” ، ولكن لا!

الكتاب أشبه بورشة عن الكتابة الإبداعية، وليس مجمل الكتابة الإبداعية بل جزء محدد وضيق هو ما تطلق عليه المؤلفة “الكتابة الوصفية” وفي الرواية حصرًا، مع العلم أنه لا يوجد أسلوب قائم بذاته تحت هذا التصنيف بل إن الوصف هو أداة من أدوات الكتابة.

على كلّ، في محاولة لربط العنوان العشوائي بموضوع الكتاب يبدأ الفصل الأول بمناقشة الحقيقة، وهو موضوع شديد الطموح والتعقيد ويحتاج للكثير من الجدل إلا أن كل ما ذكرته السيدة بثينة في هذا الفصل لا يعدو عن تقريرات قررتها بنفسها دون حجة منطقية مقنعة أو وجهة نظر مبنية على دليل من الأدب وتقول مسلمة ” الحقيقة هي البوصلة النهائية للأدب القصصي، وهي، بالقدرِ نفسه، الأداة الفنية العُلیا، التي تهيمن على جميع أدواتنا، كلمة بعد أخرى، من بداية النص وحتى نهايته”.مع أن الكثير من الكتاب والنقاد سيجادلون بقوة أن الحقيقة ليست هم الكاتب ولا تشغل باله عند الكتابة بل همه هو نقل صورة أو فكرة معينة أو حتى همه جمالي بحت مثلما لدى تولكين. في كل الأحوال، إن المسألة عرضة للنقاش والتحليل لكن كل ما ورد في هذا الفصل القصير بشكل غريب هو فرضيات واقتباسات خالية من أي منطق يمكن مناقشته.

وفي محاولة مستميتة يائسة لربط عنوان الكتاب بموضوعه الغير مرتبط به نهائيًا تظهر جملة غريبة من لا مكان تقول “إن الحديث عن الكتابة الوصفية لا يمكن أن يحدث بمعزلٍ عن الحقيقة الروائية، وإذا كانت الحقيقة هي الغاية، فإن الوصف هو الوسيلة. وهو وسيلة تأخذ حُكم الغاية”. نلاحظ في هذه الجملة، كما في كل الكتاب، التشديد المطلق على أهمية الوصف في الرواية وكأن الرواية لا تقوم بلا وصف و “يصعب تحقيق أي شيء من دونه” علمًا أن بعض أعظم الكتاب يدعون للتقليل منه إن لم يكن التوقف عن استخدامه تمامًا. ففي رواية همنغواي “تلال كفيلة بيضاء” الوصف الفيزيائي الوحيد في كل الرواية “للأمريكي والفتاة التي معه” هو: “خلعت قبعتها ووضعتها على الطاولة”. وكذلك يقول إلمور ليونارد في قواعده الشهيرة حول الكتابة: “لا تستخدم تفاصيل في وصف الأماكن ووالأشياء إلا إن كنت مارغريت آتوود فأنت لا تريد الوصف الذي يوقف الحركة وانسيابية القصة”. ومارك توين يقول في تعبير مشهور: “عندما تمسك بصفة اقتلها. لا أقصد دائمًا ولكن اقتل معظمها – عندها سيصبح البقية قيمًا”.

بل إن المؤلفة تذهب بعيدًا في إعطاء الوصف أهمية استراتيجية وتذكر إحصائية استنتجتها بنفسها، على ما يبدو، بأن الوصف يشكل 90% من أي صفحة. وهذا تضليل متعمد، ففي تجربة أجراها مارك ليبرمان من جامعة بنسلفانيا لقياس مقدار استخدام الوصف في 10 أعمال أدبية مرموقة مثل توم سوير ودايفيد كوبرفيلد…الخ وجد أن مقدار استخدام الواصف لا يتعدى 6.46 بالمئة في المتوسط ،وفي الأعمال الحاصلة على جائزة دنيس دوتون للكتابة السيئة ارتفعت نسبة استخدام الوصف لـ 10.47 بالمئة لكنها لم تصل أبدًا لـ 90 بالمئة كما تقول السيدة بثينة.

صحيح أن مارسيل بروست قد أفرد عشرات الصفحات لوصف رائحة ما وكذلك مارغريت آتوود ولكن هؤلاء الكتاب لديهم موهبة مميزة في فعل ذلك ومن الخطأ عدم ملاحظة كتاب آخرين كانوا يقننون من استخدام الوصف لأقصى درجة مثل همنجواي وبروخيس.

هذه هي المشكلة تحديدًا مع كل الكتب التي تعلم الكتابة، وليس فقط كتاب بثينة العيسى، فإن بناء قواعد ومنهج لتعلم الكتابة على إسلوب معين يغض الطرف حتمًا على العديد من الأساليب الناجحة الأخرى. صحيح أن الكتابة حرفة وصنعة وكجميع الحرف يمكن تعلمها ، إلا أن وضعها يندرج ضمن الحرف الفنية التي تحتاج للممارسة والتجربة أكثر من قواعد معينة لاتباعها ويمكن الاستفادة من نصائح وتجارب كتاب سابقين للاستمرار في مسيرة التطوير وتشكيل إسلوب فني خاص وليس التقليد والمحاكاة.

المشكلة الأخيرة في هذا الكتاب هو أن السيدة بثينة العيسى كاتبة فكان الأولى والأكثر فائدة لو قدمت تأملاتها الخاصة ووجهة نظرها حول الكتابة، كما فعل كينغ وبرادبيري وأوريل وغيرهم، عوضًا عن الاقتباسات المتلاحقة واحدة تلو الأخرى ، لدرجة أنك تجد صعوبة في التركيز مع الأفكار نظرًا لكثرة تغير المتحدث!

لخيارت بديلة في تعلم الكتابة استعن بهذه القائمة